الحديث النبوي الذي غيّر حياتي: رحلة تأمل وفهم

صورة الكاتب
بقلم: انتصار الحسین
التاريخ: 16 نوفمبر 2025 عدد المشاهدات: 400
الحديث النبوي الذي غيّر حياتي: رحلة تأمل وفهم

في أحد فصول حياتي، حين كانت الروح تتلمس معالم طريقها بين جدران جامع المصطفى، كان للعلم والنور نوع خاص. أستاذتنا الفاضلة كانت تلقي علينا دروسها، لا بالكلمات فحسب، بل بروح الإخلاص التي كانت تشع على وجهها أملًا وتوجيهًا. ذات صباح، أهدتنا حديثًا نبويًا يشبه الشمس في اعتياده، والبحر في عمقه. كان يقول: من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة. ومنذ ذلك اليوم، صار هذا الحديث رفيقي، وبدأت أبحث في تفاصيل أيامي عن ما يمنحني الزيادة أياً كانت، في قلب أو علم أو عمل أو أثر. كانت نظرة بعض الناس لي حاملة للعتاب أو الدهشة: كيف تستطيعين أن تنشغلي بكل هذه المهام المتعددة، كأنك تهربين من الراحة أو تسعين لجمع الدنيا؟ وما علموا أنني لا أبحث إلا عن ذلك الرضى الخفي، أن أكون نسخة أفضل من نفسي، وأن لا يمضي يوم دون أن أترك أثرًا نافعًا أو أفتح بابًا من الخير. إن روح الحديث تدفعني لأن أرى الحياة كتابًا تُكتب فيه صفحات جديدة كل يوم، لا تتشابه، وكل صفحة تحمل بصمة إنسانية ترضي بعض مما أرجوا . ومع الأيام، أدركت أن الزيادة لا تقتصر على تحصيل العلم أو تزكية النفس بالعبادة، بل تتجلى في أبسط صور العطاء للآخرين. كم كانت فرحتي حين أُعين محتاجًا، أو أقف بجانب صديقة في شدتها، أو أجد بابًا لحل مشكلات قد تبدو للناس عادية لكنها عند محتاجيها عالم من الفرج. وجدت أن السعي في حوائج الناس هو أرقى أشكال الارتقاء؛ لأنه يعيد للروح وهجها ويجعل القلب نابضًا بمعنى الحياة، وكل يوم تضيف فيه للناس خيرًا هو يوم لم يتساوى مع سابقه بل فاقه رفعة وحسنًا. علمني هذا الحديث أن أعيد اكتشاف نفسي بين طيات الأيام، وألا أكتفي بالوجود. ليس النجاح أن تمتلئ الأعوام والدفاتر بإنجازات شخصية وحسب، بل أن ترى نفسك جزءًا من رحلة الآخرين نحو الفرح، أن تفتح نافذة من نور في عتمتهم، وأن تلبي النداء إذا سمعته في عيونهم حتى لو لم تنطق به ألسنتهم. الارتقاء الذاتي في نظر الدين لا يُختصر في الزهد أو العلم أو العبادة منفصلة عن الحياة، بل في موازنة تزكية النفس والاهتمام بالآخرين والسعي المستمر ليكون يومك القادم أكثر غنىً بالخير والمعنى. في كل مرة أكون جزءًا من تحقيق أمنية صغيرة لصديقة، أو أساهم في حل مشكلة مالية ، أو أواسي قلبًا منكسرًا، أشعر بصدق معنى الحديث، وأدرك أن أثر الزيادة في النفس ينعكس إشراقًا على الوجوه المحيطة بي. وهكذا، تتوالى الأيام، فلا تشابه بينها إلا في شوقي لأن يكون الغد أجمل وأكثر رحمة، في سعيي لأن أمتثل وصية النبي، لا في العبادة فحسب، بل في أن أكون طاقة تغيير صالحة، مرآة يرى الناس في وجهها معنى المساندة وأثر الدعاء والعمل الصالح بقدر ما أستطيع. ختامًا… علمتني هذه الكلمات النبوية أن العمر يُقاس بمدى أثرنا، لا بعدد أيامنا، وأن الحياة الحقيقية تبدأ حين نضيء دروب الآخرين ونزداد في داخلنا نورًا من كل خير ننثره حولنا. من عرف طريق الزيادة عاش حياة لا يعتريها خسارة، ولا تقف عندها عقارب الساعة، بل تسابق بها إلى الخلود في سجل الله حتى لو نكرتها ذاكرة الناس .

عن الکاتب / الکاتبة

انتصار الحسین
انتصار الحسین
کاتبة/ العراق

مقالات أخرى للكاتب

لا توجد مقالات أخرى لهذا الكاتب.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الحديث النبوي الذي غيّر حياتي: رحلة تأمل وفهم

بقلم: انتصار الحسین | التاريخ: 16 نوفمبر 2025

التصنيف: الأدب

في أحد فصول حياتي، حين كانت الروح تتلمس معالم طريقها بين جدران جامع المصطفى، كان للعلم والنور نوع خاص. أستاذتنا الفاضلة كانت تلقي علينا دروسها، لا بالكلمات فحسب، بل بروح الإخلاص التي كانت تشع على وجهها أملًا وتوجيهًا. ذات صباح، أهدتنا حديثًا نبويًا يشبه الشمس في اعتياده، والبحر في عمقه. كان يقول: من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة. ومنذ ذلك اليوم، صار هذا الحديث رفيقي، وبدأت أبحث في تفاصيل أيامي عن ما يمنحني الزيادة أياً كانت، في قلب أو علم أو عمل أو أثر. كانت نظرة بعض الناس لي حاملة للعتاب أو الدهشة: كيف تستطيعين أن تنشغلي بكل هذه المهام المتعددة، كأنك تهربين من الراحة أو تسعين لجمع الدنيا؟ وما علموا أنني لا أبحث إلا عن ذلك الرضى الخفي، أن أكون نسخة أفضل من نفسي، وأن لا يمضي يوم دون أن أترك أثرًا نافعًا أو أفتح بابًا من الخير. إن روح الحديث تدفعني لأن أرى الحياة كتابًا تُكتب فيه صفحات جديدة كل يوم، لا تتشابه، وكل صفحة تحمل بصمة إنسانية ترضي بعض مما أرجوا . ومع الأيام، أدركت أن الزيادة لا تقتصر على تحصيل العلم أو تزكية النفس بالعبادة، بل تتجلى في أبسط صور العطاء للآخرين. كم كانت فرحتي حين أُعين محتاجًا، أو أقف بجانب صديقة في شدتها، أو أجد بابًا لحل مشكلات قد تبدو للناس عادية لكنها عند محتاجيها عالم من الفرج. وجدت أن السعي في حوائج الناس هو أرقى أشكال الارتقاء؛ لأنه يعيد للروح وهجها ويجعل القلب نابضًا بمعنى الحياة، وكل يوم تضيف فيه للناس خيرًا هو يوم لم يتساوى مع سابقه بل فاقه رفعة وحسنًا. علمني هذا الحديث أن أعيد اكتشاف نفسي بين طيات الأيام، وألا أكتفي بالوجود. ليس النجاح أن تمتلئ الأعوام والدفاتر بإنجازات شخصية وحسب، بل أن ترى نفسك جزءًا من رحلة الآخرين نحو الفرح، أن تفتح نافذة من نور في عتمتهم، وأن تلبي النداء إذا سمعته في عيونهم حتى لو لم تنطق به ألسنتهم. الارتقاء الذاتي في نظر الدين لا يُختصر في الزهد أو العلم أو العبادة منفصلة عن الحياة، بل في موازنة تزكية النفس والاهتمام بالآخرين والسعي المستمر ليكون يومك القادم أكثر غنىً بالخير والمعنى. في كل مرة أكون جزءًا من تحقيق أمنية صغيرة لصديقة، أو أساهم في حل مشكلة مالية ، أو أواسي قلبًا منكسرًا، أشعر بصدق معنى الحديث، وأدرك أن أثر الزيادة في النفس ينعكس إشراقًا على الوجوه المحيطة بي. وهكذا، تتوالى الأيام، فلا تشابه بينها إلا في شوقي لأن يكون الغد أجمل وأكثر رحمة، في سعيي لأن أمتثل وصية النبي، لا في العبادة فحسب، بل في أن أكون طاقة تغيير صالحة، مرآة يرى الناس في وجهها معنى المساندة وأثر الدعاء والعمل الصالح بقدر ما أستطيع. ختامًا… علمتني هذه الكلمات النبوية أن العمر يُقاس بمدى أثرنا، لا بعدد أيامنا، وأن الحياة الحقيقية تبدأ حين نضيء دروب الآخرين ونزداد في داخلنا نورًا من كل خير ننثره حولنا. من عرف طريق الزيادة عاش حياة لا يعتريها خسارة، ولا تقف عندها عقارب الساعة، بل تسابق بها إلى الخلود في سجل الله حتى لو نكرتها ذاكرة الناس .