حجاجية الصورة الشعرية في المجموعة الشعرية (قبل أن يستيقظ البحر) للشاعر حسين السياب

صورة الكاتب
بقلم: عبدالحمید آل کلوت
التاريخ: 26 نوفمبر 2025 عدد المشاهدات: 1697
حجاجية الصورة الشعرية في المجموعة الشعرية (قبل أن يستيقظ البحر) للشاعر حسين السياب
حسين السياب شاعر وكاتب عراقي من بغداد، حاصل على شهادة الدبلوم في الإدارة والاقتصاد، عضو اتحاد الادباء والكتاب في العراق، شارك في العديد من المهرجانات الأدبية داخل وخارج العراق كتونس ومصر وسوريا، شارك في مهرجان المربد ومهرجان ربيع الفنون في تونس ومهرجان الأبداع في مصر. صدرت مجموعته الشعرية الأولى (بتوقيت القلب) سنة 2019 في بغداد، وصدرت الطبعة الثانية منها سنة 2020، ومجموعته الشعرية الثانية (تسابيح الوجع) صدرت في بغداد سنة 2020 ومجموعته الشعرية الثالثة (عزف الرمال) صدرت في بغداد 2022، و(مطرٌ على خدِ الطين) في بغداد 2024 و(قبل أن يستيقظ البحر) صدرت في مصر 2025.
حقيقةً تجربة الشاعر حسين السياب حافلة وزاخرة بالأبداع كتب عنه الكثير من النُقاد. العتبة النصية الأولى التى وشَمَ بها مجموعته الشعرية هي (قبلَ أن يستيقظ البحر)، أبتدأ الشاعر عنوانه بظرف زمان منصوب وفعل مضارع تَوَلَّدَ من (يستيقظ) ليتبعه الفاعل المرفوع من البحر؛ للبحر في الشعر عدَّة دلالات شعرية ومنها القوة التي لايمكن التكهن بأفعالها، ومن خلال قراءة النصوص تبين أن الشاعر أستخدم البحر وقوته ليُسقطها على المشاعر والأحاسيس وقد أجادَ الشاعر بأستخدامه كلمة (يستيقظ) التي تدلُّ على السكون فتناغم الأستيقاظ مع البحر، العنوان يَشي بحالة أنتظار تتأرجح مابين السكون وقوة المشاعر.
العنوان أستلهمَ من البحر القوة ومن الأستيقاظ السكون، سكون المشاعر والأحاسيس النائمة في أعماق مُخيِّلة الشاعر. المجموعة تكونت من (130 ص) أحتوت على (57) عنواناً، جاءت العناوين جميلة ودالة على الغرض الشعري الذي كُتِبَ النص من أجله على الرغم من وجود بعض العناوين الطويلة التي تمنيتُ لو كانت مثل العناوين البقية التي كانت أكثر جاذبية. الحجاجية أو الحجاج مصطلح مُوغِل في القِدَم ولأهميته في الأدب العربي مازال يتداول في الأوساط الأدبية والثقافية، وهو مفهوم الهدف منه هو أقناع المتلقي والتأثير فيهِ وتوجيه فهمه للنص، فالحجاج هو باب من أبواب البلاغة ومن هنا جاء التداخل مابين الأثنين فكلاهما يسعى الى نفس الهدف.
الشاعر حسين السياب أستحضَرَ حجاجية صُوَره الشعرية بصورة مُضمرة لِيُثبت أن مشاعره وأحاسيسه صادقة لا لبس فيها من خلال رؤيته الشعرية وتمكنه من أقناع القارئ الفطِن عن طريق حجاجية صورته الشعرية والفصاحة التى عبَّرَ من خلالها عن غرضه الشعري.
يقول في أحد قصائده (ص8):
أحرثُ اللغة/ لتنمو قصائدي حَدَّ اللعنة…الخ وفي قصيدة اخرى (ص10): كما يضعُ العَطشُ فمهُ في كف السراب/
مشَّطتُ ظفائرَكِ بأصابعَ أكلتها الفصول/
ثم أطفأتُ وجهي في تفاصيلكِ/ علَّني أجدك…الخ.
أن الحجاج يُعطي للنص الشعري دِفقاً شعرياً وإتساقاً لغوياً لأن كل حجاج وراءه بلاغة والعكس صحيح، حسين السياب بحجاجية صورته الشعرية أستطاع الوصول الى أغراء المتلقي وإستغواءه ليصل به الى حد الأقناع والأمتاع، لقد لجأَ الشاعر الى الحجاج لتقوية نصه الشعري وإستكمال غرضه الشعري وأراه قد نجحَ في ذلك. في قصيدته (ص19) يقول:
نحتسي كؤوس الهمِّ حتى الثمالة دون أن نسكر../
يذبل النهار/
تهربُ الشمس من حقولنا/
وعند الغروب يتجلَّى كَدَرُ الأمَّهات/
في ملامحنا من القهر ملامح…الخ.
وفي قصيدته (ص25) يقول:
أنا المخبوز بنار الشوق الهائج/
سأمضي…/
لا لأتبعَ جيش النمل إلى مملكة العجائب/
تلك مواويل الأولين/
وقيحُ الدعاة وورثة الربّ!…الخ.
أستطاعت حجاجية الصورة في نصوص حسين السياب من التأثير في ذهن القارئ الذي بدوره حتماً سيأخذ موقفاً من هذه الحجاجية بغض النظر عن طبيعة هذا الموقف، رأيتُ أن الحجاج لدى السياب هو هدف وغاية وليس وسيلة يتعكز عليها لبلوغ غايته الشعرية. في قصيدته (ص40) يقول:
أنظرُ لِسِني العمر/
التي تدورُ في ساعة أبي/
أحنُّ للشتاء/
أطرِّزُ النجمات على خدّ الليل/
الغافي على أسوار معبد “أنانا”/
أتأمل القيامة على أبواب المتاهة/…الخ.
ويقول أيضاً في قصيدته (ص46):
ضمِّني حتى أتلاشى كقطرات مطرٍ في بئر شرودي الدائم…الخ.
الصورة الشعرية تختلف من شاعر الى آخر حيث تعتمد على رؤية كل شاعر ومدى سِعة خياله وصدق ماصورته عينه وخياله، لقد صوَّرَ الشاعر حجاجية صورته الشعرية من خلال مارأى بعينه وخياله فرسمَ بكلماته وجمله صورة شعرية مُطرَّزة بالححاج.
في قصيدته (ص59) يقول:
أتكىءُ على نهدكِ الملثّم كقطّاع الطرق/
وأُلقي عليكِ كل الملامات/…الخ.
وفي قصيدته (ص71) يقول:
عندما تعزفُ الرمال على أصابع قدميكِ…الخ.
حسين السياب خلقَ توافقاً نفسياً بينه وبين المتلقي عن طريق الموسيقى الداخلية لصوره الشعرية التي هي أساس كل نص شعري، لقد كوَّنَ من خلال نصوصه صورة من الأندماج بين مظاهر التناسق اللغوي والأيقاع الشعري، صوره الشعرية خلقت مفهوماً حاول الشاعر من خلال هذا المفهوم أن تكون صوره الشعرية مميزة ومختلفة ويبدو لي انه حقق ما أراد.
في قصيدته (ص79) يقول:
عندما اتلوكِ كآية خفية/
يحزنني صرير الباب/
خلف الراحلين/
الريح تطحنُ نفسها/
تهرسُ وجع الندم/…الخ.
وفي قصيدة أخرى يقول:
صارت الساعاتُ/
محضَ افتراءٍ/
لأن لاموعد لحضوركِ/
متيَّمٌ بكِ/
مذ ولدتني أمّي/إلى يوم يبعثون.
أن حجاجية الصورة الشعرية هي تركيبة عقلية وعاطفة تُلتَقط بعدسة بالغة الدقة والتعقيد، فهي تُعَبّر عن نفسية الشاعر ودرجة أحساسه، وحسين السياب تمكن من أستخدام عدسة التصوير ليرسم لنا بكلماته صوراً شعرية مُفعمة بالحجاجية؛ النصوص مُترعة بالصور الشعرية هي أشبه ببستان مليىء بالثمار. في هذه المجموعة تطرقتُ الى الصور الشعرية وحجاجيتها، ولم أتطرق الى الجوانب الأخرى التي أحتوتها المجموعة من رموز دينية ومكانية وتأريخية وأنزياحات شعرية، لذا تبقى النصوص مفتوحة للقراءة والتأويل.

عن الکاتب / الکاتبة

عبدالحمید آل کلوت
عبدالحمید آل کلوت
ناقد / العراق

مقالات أخرى للكاتب

لا توجد مقالات أخرى لهذا الكاتب.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


حجاجية الصورة الشعرية في المجموعة الشعرية (قبل أن يستيقظ البحر) للشاعر حسين السياب

بقلم: عبدالحمید آل کلوت | التاريخ: 26 نوفمبر 2025

التصنيف: الأدب

حسين السياب شاعر وكاتب عراقي من بغداد، حاصل على شهادة الدبلوم في الإدارة والاقتصاد، عضو اتحاد الادباء والكتاب في العراق، شارك في العديد من المهرجانات الأدبية داخل وخارج العراق كتونس ومصر وسوريا، شارك في مهرجان المربد ومهرجان ربيع الفنون في تونس ومهرجان الأبداع في مصر. صدرت مجموعته الشعرية الأولى (بتوقيت القلب) سنة 2019 في بغداد، وصدرت الطبعة الثانية منها سنة 2020، ومجموعته الشعرية الثانية (تسابيح الوجع) صدرت في بغداد سنة 2020 ومجموعته الشعرية الثالثة (عزف الرمال) صدرت في بغداد 2022، و(مطرٌ على خدِ الطين) في بغداد 2024 و(قبل أن يستيقظ البحر) صدرت في مصر 2025.
حقيقةً تجربة الشاعر حسين السياب حافلة وزاخرة بالأبداع كتب عنه الكثير من النُقاد. العتبة النصية الأولى التى وشَمَ بها مجموعته الشعرية هي (قبلَ أن يستيقظ البحر)، أبتدأ الشاعر عنوانه بظرف زمان منصوب وفعل مضارع تَوَلَّدَ من (يستيقظ) ليتبعه الفاعل المرفوع من البحر؛ للبحر في الشعر عدَّة دلالات شعرية ومنها القوة التي لايمكن التكهن بأفعالها، ومن خلال قراءة النصوص تبين أن الشاعر أستخدم البحر وقوته ليُسقطها على المشاعر والأحاسيس وقد أجادَ الشاعر بأستخدامه كلمة (يستيقظ) التي تدلُّ على السكون فتناغم الأستيقاظ مع البحر، العنوان يَشي بحالة أنتظار تتأرجح مابين السكون وقوة المشاعر.
العنوان أستلهمَ من البحر القوة ومن الأستيقاظ السكون، سكون المشاعر والأحاسيس النائمة في أعماق مُخيِّلة الشاعر. المجموعة تكونت من (130 ص) أحتوت على (57) عنواناً، جاءت العناوين جميلة ودالة على الغرض الشعري الذي كُتِبَ النص من أجله على الرغم من وجود بعض العناوين الطويلة التي تمنيتُ لو كانت مثل العناوين البقية التي كانت أكثر جاذبية. الحجاجية أو الحجاج مصطلح مُوغِل في القِدَم ولأهميته في الأدب العربي مازال يتداول في الأوساط الأدبية والثقافية، وهو مفهوم الهدف منه هو أقناع المتلقي والتأثير فيهِ وتوجيه فهمه للنص، فالحجاج هو باب من أبواب البلاغة ومن هنا جاء التداخل مابين الأثنين فكلاهما يسعى الى نفس الهدف.
الشاعر حسين السياب أستحضَرَ حجاجية صُوَره الشعرية بصورة مُضمرة لِيُثبت أن مشاعره وأحاسيسه صادقة لا لبس فيها من خلال رؤيته الشعرية وتمكنه من أقناع القارئ الفطِن عن طريق حجاجية صورته الشعرية والفصاحة التى عبَّرَ من خلالها عن غرضه الشعري.
يقول في أحد قصائده (ص8):
أحرثُ اللغة/ لتنمو قصائدي حَدَّ اللعنة…الخ وفي قصيدة اخرى (ص10): كما يضعُ العَطشُ فمهُ في كف السراب/
مشَّطتُ ظفائرَكِ بأصابعَ أكلتها الفصول/
ثم أطفأتُ وجهي في تفاصيلكِ/ علَّني أجدك…الخ.
أن الحجاج يُعطي للنص الشعري دِفقاً شعرياً وإتساقاً لغوياً لأن كل حجاج وراءه بلاغة والعكس صحيح، حسين السياب بحجاجية صورته الشعرية أستطاع الوصول الى أغراء المتلقي وإستغواءه ليصل به الى حد الأقناع والأمتاع، لقد لجأَ الشاعر الى الحجاج لتقوية نصه الشعري وإستكمال غرضه الشعري وأراه قد نجحَ في ذلك. في قصيدته (ص19) يقول:
نحتسي كؤوس الهمِّ حتى الثمالة دون أن نسكر../
يذبل النهار/
تهربُ الشمس من حقولنا/
وعند الغروب يتجلَّى كَدَرُ الأمَّهات/
في ملامحنا من القهر ملامح…الخ.
وفي قصيدته (ص25) يقول:
أنا المخبوز بنار الشوق الهائج/
سأمضي…/
لا لأتبعَ جيش النمل إلى مملكة العجائب/
تلك مواويل الأولين/
وقيحُ الدعاة وورثة الربّ!…الخ.
أستطاعت حجاجية الصورة في نصوص حسين السياب من التأثير في ذهن القارئ الذي بدوره حتماً سيأخذ موقفاً من هذه الحجاجية بغض النظر عن طبيعة هذا الموقف، رأيتُ أن الحجاج لدى السياب هو هدف وغاية وليس وسيلة يتعكز عليها لبلوغ غايته الشعرية. في قصيدته (ص40) يقول:
أنظرُ لِسِني العمر/
التي تدورُ في ساعة أبي/
أحنُّ للشتاء/
أطرِّزُ النجمات على خدّ الليل/
الغافي على أسوار معبد “أنانا”/
أتأمل القيامة على أبواب المتاهة/…الخ.
ويقول أيضاً في قصيدته (ص46):
ضمِّني حتى أتلاشى كقطرات مطرٍ في بئر شرودي الدائم…الخ.
الصورة الشعرية تختلف من شاعر الى آخر حيث تعتمد على رؤية كل شاعر ومدى سِعة خياله وصدق ماصورته عينه وخياله، لقد صوَّرَ الشاعر حجاجية صورته الشعرية من خلال مارأى بعينه وخياله فرسمَ بكلماته وجمله صورة شعرية مُطرَّزة بالححاج.
في قصيدته (ص59) يقول:
أتكىءُ على نهدكِ الملثّم كقطّاع الطرق/
وأُلقي عليكِ كل الملامات/…الخ.
وفي قصيدته (ص71) يقول:
عندما تعزفُ الرمال على أصابع قدميكِ…الخ.
حسين السياب خلقَ توافقاً نفسياً بينه وبين المتلقي عن طريق الموسيقى الداخلية لصوره الشعرية التي هي أساس كل نص شعري، لقد كوَّنَ من خلال نصوصه صورة من الأندماج بين مظاهر التناسق اللغوي والأيقاع الشعري، صوره الشعرية خلقت مفهوماً حاول الشاعر من خلال هذا المفهوم أن تكون صوره الشعرية مميزة ومختلفة ويبدو لي انه حقق ما أراد.
في قصيدته (ص79) يقول:
عندما اتلوكِ كآية خفية/
يحزنني صرير الباب/
خلف الراحلين/
الريح تطحنُ نفسها/
تهرسُ وجع الندم/…الخ.
وفي قصيدة أخرى يقول:
صارت الساعاتُ/
محضَ افتراءٍ/
لأن لاموعد لحضوركِ/
متيَّمٌ بكِ/
مذ ولدتني أمّي/إلى يوم يبعثون.
أن حجاجية الصورة الشعرية هي تركيبة عقلية وعاطفة تُلتَقط بعدسة بالغة الدقة والتعقيد، فهي تُعَبّر عن نفسية الشاعر ودرجة أحساسه، وحسين السياب تمكن من أستخدام عدسة التصوير ليرسم لنا بكلماته صوراً شعرية مُفعمة بالحجاجية؛ النصوص مُترعة بالصور الشعرية هي أشبه ببستان مليىء بالثمار. في هذه المجموعة تطرقتُ الى الصور الشعرية وحجاجيتها، ولم أتطرق الى الجوانب الأخرى التي أحتوتها المجموعة من رموز دينية ومكانية وتأريخية وأنزياحات شعرية، لذا تبقى النصوص مفتوحة للقراءة والتأويل.