يشهد الإعلام العربي تحولات جذرية في العقدين الأخيرين، حيث انتقل من نظام إعلامي تقليدي محكوم بالرقابة الحكومية إلى فضاء متعدد الأصوات يتنافس فيه التقليدي والحديث. فهو يواجه مفترق طرق حاسم؛ فالتحول الرقمي لم يعد خياراً بل ضرورة لضمان الاستمرارية والتأثير. النجاح في هذا المضمار لا يعتمد فقط على تبني أحدث التقنيات، بل على وجود رؤية استراتيجية واضحة، واستثمار فعلي في العنصر البشري، ومواجهة جادة للتحديات الأخلاقية والمهنية التي تفرضها هذه التقنيات، مع الحفاظ على الهوية والقيم المهنية. فمعضلة الأساسية في تحقيق التوازن كانت بين حرية التعبير والصحافة الاستقصائية والمسؤولية الاجتماعية والالتزام بالمصداقية والضغوط السياسية والتمويل وتأثير الثورات الرقمية التي أدت ضمن ثورات الربيع العربي والتحول الرقمي إلى صعود وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار وظهور جيل جديد من الصحفيين المواطنين وزيادة الوعي المجتمعي بقضايا الحريات العامة كل هذا أدى إلى انتشار الشائعات والأخبار الزائفة التي أدت بدورها إلى تحريف الحقائق وبث الفوضى الإعلامية وتحكيم من هم ليسوا من المؤهلين للعمل الصحفي. وبالنسبة للتحديات على المستوى المؤسسي فكان هناك غياب للمعرفة الرقمية والخلفية في نظم الحوسبة، وعدم فهم قدرات الأدوات التقنية وعدم دمج التقنية في بيئة العمل، وعدم فهم ثقافة التحول الرقمي التي تحتاج لتغيير في أنماط التفكير وعدم القدرة على وضع تصورات رقمية لمعالجة المواد الصحفية، والاكتفاء بنشر النصوص أو الفيديو دون تحقيق تحول حقيقي والاعتماد الأساسي على وسائل التواصل الاجتماعي للوصول للجمهور، وعدم تطوير أدوات خاصة لبناء جمهور مخلص و خسارة القدرة على المنافسة في سوق العمل، وتضاؤل أعداد العاملين المؤهلين والأزمات المالية وعدم القدرة على مواكبة التطورات، مما يهدد استمرارية العديد من المؤسسات. مماأدى إلى عدم فهم سلوك الجمهور رقمياً والعمل دون تقييم لتجربته لعدم القدرة على سد الفجوات في المحتوى المطلوب، مما يؤدي لاستهلاك الجمهور لمحتوى خارجي لا يلبي احتياجات المجتمع وإن ضعف الأمان الرقمي، مما يعرض الصحفيين للانتهاكات والاختراق.أدى إلى عدم جاهزية سوق العمل لتطورات العمل عن بُعد. فلضمان مستقبل أفضل للإعلام العربي، تتجه الرؤى الحديثة نحو تبني استراتيجية متكاملة تجمع بين تعزيز الجوهر المهني والأخلاقي، والاستفادة من الأدوات التكنولوجية الحديثة، مع الاستثمار في الكفاءات البشرية المؤهلة. وذلك يتم عبر وجود أدوات لتطوير المحتوى والإطار المهني وذلك لتحسين جودة ومصداقية المحتوى الإعلامي المقدم، يمكن الاعتماد على الأدوات التالية في مجال تطوير الأدوات والممارسات المقترحة ووضع وتطوير مبادئ الأخلاقية التي تضمن النزاهة والدقة والحياد و الالتزام بمواثيق الشرف الإعلامية والمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع وتعزيز دورإنتاج الدراما والأعمال السينمائية التي تعزز بدورها الهوية الوطنية وتناقش القضايا المجتمعية بوعي عبر تقديم محتوى إعلامي مستقل وموضوعي يدعم قيم التسامح وقبول الآخر ويواجه خطاب التعصب تعزيز دور الدراسات والبحوث الإعلامية لرسم خريطة معرفية للوطن العربي ورصد نقاط القوة والضعف لدعم التربية الإعلامية وتدريسها في المراحل التعليمية لتمكين الجمهور من مواجهة المحتوى الزائف . | وقد يعد تبني التكنولوجيا أمرًا حاسمًا للبقاء competitive في المشهد الإعلامي العالمي. وذلك عبر استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات الميتافيرس التي يمكن الاستفادة منها في صناعة المحتوى الإعلامي بكل أشكاله، سواء كان مقروءًا أو مرئيًا، مما يفتح آفاقًا جديدة للإبداع . على سبيل المثال، تسمح الحلول السحابية بتسريع إنتاج المحتوى وإدارة سير العمل بشكل أكثر كفاءة، كما فعلت شركة Mediacorp في سنغافورة . فلم يعد الإعلامي المعاصر قادرًا على الاعتماد على مهارة واحدة. النجاح يتطلب اليوم أن يكون متعدد المهارات (One Man Crew) يجمع بين أساسيات الكتابة، ومعرفة تحسين محركات البحث (SEO)، ومهارات التسويق الرقمي، وإنتاج المحتوى البصري . وقد أصبح تحليل البيانات وسيلة أساسية لقياس فعالية الحملات الإعلامية وفهم الجمهور. فهنا يزداد الطلب على وظائف مثل محلل وسائل الإعلام (Media Analyst) الذي يتخصص في تحليل أداء المحتوى وتقديم رؤى قائمة على البيانات لتحسين الاستراتيجيات . وهنا نؤكد على أهمية الاستثمار في العنصر البشري الذي يعتبر حجر الزاوية الأساسي لأي إصلاح إعلامي فيجب هنا تقديم برامج تدريبية مستمرة للإعلاميين لتحسين مهاراتهم ومواكبة أحدث الممارسات والتقنيات، مع التعاون بين الكليات الإعلامية والمؤسسات لتحقيق ذلك .
وتطوير المناهج التعليمية التي تحتاج إلى المناهج في كليات الإعلام التي تعتمد على التطوير لتعكس مشهد الإعلام الحديث، وإدراج مواد عن الذكاء الاصطناعي، والبيانات، والأخلاقيات الرقمية وخلق بيئة داعمة لضمان حرية الصحافة وحماية الصحفيين، وتعزيز استقلالية المؤسسات الإعلامية، وحث رجال الأعمال على الاستثمار في إنتاج محتوى إعلامي هادف ومستقل . وهنا نقدم نظرة استراتيجية شاملة لبناء مستقبل أفضل للإعلام العربي رؤية استراتيجية واضحة تعالج التحديات الهيكلية، مثل: – وضع خطط وطنية واضحة للإعلام، تتجاوز النهج التقليدي والسلطوي، وتتبنى نموذجًا عصريًا يتناسب مع متطلبات العصر . – تعزيز التكامل العربي إعلاميًا، وإعادة إبراز قضايا الوحدة والعروبة في الخطاب الإعلامي بعد سنوات من الانكفاء . – الاستفادة من الإعلام كقوة ناعمة لتعزيز الصورة الحضارية للعالم العربي على الساحة الدولية، والمساهمة في بناء الأمن القومي . باختصار، مستقبل الإعلام العربي الأفضل مرهون بقدرته على الجمع بين الأصالة والمعاصرة والتمسك بالهوية والقيم الأصيلة مع الانفتاح الكامل على أدوات العصر التكنولوجية والمهنية. هذا المسار يتطلب إرادة جماعية وجهدًا مستمرًا من الحكومات والمؤسسات والإعلاميين والجمهور على حد سواء .
مقالات أخرى للكاتب
لا توجد مقالات أخرى لهذا الكاتب.
الإعلام العربي تحولات وتحديات في عصر الرقمنة
يشهد الإعلام العربي تحولات جذرية في العقدين الأخيرين، حيث انتقل من نظام إعلامي تقليدي محكوم بالرقابة الحكومية إلى فضاء متعدد الأصوات يتنافس فيه التقليدي والحديث. فهو يواجه مفترق طرق حاسم؛ فالتحول الرقمي لم يعد خياراً بل ضرورة لضمان الاستمرارية والتأثير. النجاح في هذا المضمار لا يعتمد فقط على تبني أحدث التقنيات، بل على وجود رؤية استراتيجية واضحة، واستثمار فعلي في العنصر البشري، ومواجهة جادة للتحديات الأخلاقية والمهنية التي تفرضها هذه التقنيات، مع الحفاظ على الهوية والقيم المهنية. فمعضلة الأساسية في تحقيق التوازن كانت بين حرية التعبير والصحافة الاستقصائية والمسؤولية الاجتماعية والالتزام بالمصداقية والضغوط السياسية والتمويل وتأثير الثورات الرقمية التي أدت ضمن ثورات الربيع العربي والتحول الرقمي إلى صعود وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار وظهور جيل جديد من الصحفيين المواطنين وزيادة الوعي المجتمعي بقضايا الحريات العامة كل هذا أدى إلى انتشار الشائعات والأخبار الزائفة التي أدت بدورها إلى تحريف الحقائق وبث الفوضى الإعلامية وتحكيم من هم ليسوا من المؤهلين للعمل الصحفي. وبالنسبة للتحديات على المستوى المؤسسي فكان هناك غياب للمعرفة الرقمية والخلفية في نظم الحوسبة، وعدم فهم قدرات الأدوات التقنية وعدم دمج التقنية في بيئة العمل، وعدم فهم ثقافة التحول الرقمي التي تحتاج لتغيير في أنماط التفكير وعدم القدرة على وضع تصورات رقمية لمعالجة المواد الصحفية، والاكتفاء بنشر النصوص أو الفيديو دون تحقيق تحول حقيقي والاعتماد الأساسي على وسائل التواصل الاجتماعي للوصول للجمهور، وعدم تطوير أدوات خاصة لبناء جمهور مخلص و خسارة القدرة على المنافسة في سوق العمل، وتضاؤل أعداد العاملين المؤهلين والأزمات المالية وعدم القدرة على مواكبة التطورات، مما يهدد استمرارية العديد من المؤسسات. مماأدى إلى عدم فهم سلوك الجمهور رقمياً والعمل دون تقييم لتجربته لعدم القدرة على سد الفجوات في المحتوى المطلوب، مما يؤدي لاستهلاك الجمهور لمحتوى خارجي لا يلبي احتياجات المجتمع وإن ضعف الأمان الرقمي، مما يعرض الصحفيين للانتهاكات والاختراق.أدى إلى عدم جاهزية سوق العمل لتطورات العمل عن بُعد. فلضمان مستقبل أفضل للإعلام العربي، تتجه الرؤى الحديثة نحو تبني استراتيجية متكاملة تجمع بين تعزيز الجوهر المهني والأخلاقي، والاستفادة من الأدوات التكنولوجية الحديثة، مع الاستثمار في الكفاءات البشرية المؤهلة. وذلك يتم عبر وجود أدوات لتطوير المحتوى والإطار المهني وذلك لتحسين جودة ومصداقية المحتوى الإعلامي المقدم، يمكن الاعتماد على الأدوات التالية في مجال تطوير الأدوات والممارسات المقترحة ووضع وتطوير مبادئ الأخلاقية التي تضمن النزاهة والدقة والحياد و الالتزام بمواثيق الشرف الإعلامية والمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع وتعزيز دورإنتاج الدراما والأعمال السينمائية التي تعزز بدورها الهوية الوطنية وتناقش القضايا المجتمعية بوعي عبر تقديم محتوى إعلامي مستقل وموضوعي يدعم قيم التسامح وقبول الآخر ويواجه خطاب التعصب تعزيز دور الدراسات والبحوث الإعلامية لرسم خريطة معرفية للوطن العربي ورصد نقاط القوة والضعف لدعم التربية الإعلامية وتدريسها في المراحل التعليمية لتمكين الجمهور من مواجهة المحتوى الزائف . | وقد يعد تبني التكنولوجيا أمرًا حاسمًا للبقاء competitive في المشهد الإعلامي العالمي. وذلك عبر استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات الميتافيرس التي يمكن الاستفادة منها في صناعة المحتوى الإعلامي بكل أشكاله، سواء كان مقروءًا أو مرئيًا، مما يفتح آفاقًا جديدة للإبداع . على سبيل المثال، تسمح الحلول السحابية بتسريع إنتاج المحتوى وإدارة سير العمل بشكل أكثر كفاءة، كما فعلت شركة Mediacorp في سنغافورة . فلم يعد الإعلامي المعاصر قادرًا على الاعتماد على مهارة واحدة. النجاح يتطلب اليوم أن يكون متعدد المهارات (One Man Crew) يجمع بين أساسيات الكتابة، ومعرفة تحسين محركات البحث (SEO)، ومهارات التسويق الرقمي، وإنتاج المحتوى البصري . وقد أصبح تحليل البيانات وسيلة أساسية لقياس فعالية الحملات الإعلامية وفهم الجمهور. فهنا يزداد الطلب على وظائف مثل محلل وسائل الإعلام (Media Analyst) الذي يتخصص في تحليل أداء المحتوى وتقديم رؤى قائمة على البيانات لتحسين الاستراتيجيات . وهنا نؤكد على أهمية الاستثمار في العنصر البشري الذي يعتبر حجر الزاوية الأساسي لأي إصلاح إعلامي فيجب هنا تقديم برامج تدريبية مستمرة للإعلاميين لتحسين مهاراتهم ومواكبة أحدث الممارسات والتقنيات، مع التعاون بين الكليات الإعلامية والمؤسسات لتحقيق ذلك .
وتطوير المناهج التعليمية التي تحتاج إلى المناهج في كليات الإعلام التي تعتمد على التطوير لتعكس مشهد الإعلام الحديث، وإدراج مواد عن الذكاء الاصطناعي، والبيانات، والأخلاقيات الرقمية وخلق بيئة داعمة لضمان حرية الصحافة وحماية الصحفيين، وتعزيز استقلالية المؤسسات الإعلامية، وحث رجال الأعمال على الاستثمار في إنتاج محتوى إعلامي هادف ومستقل . وهنا نقدم نظرة استراتيجية شاملة لبناء مستقبل أفضل للإعلام العربي رؤية استراتيجية واضحة تعالج التحديات الهيكلية، مثل: – وضع خطط وطنية واضحة للإعلام، تتجاوز النهج التقليدي والسلطوي، وتتبنى نموذجًا عصريًا يتناسب مع متطلبات العصر . – تعزيز التكامل العربي إعلاميًا، وإعادة إبراز قضايا الوحدة والعروبة في الخطاب الإعلامي بعد سنوات من الانكفاء . – الاستفادة من الإعلام كقوة ناعمة لتعزيز الصورة الحضارية للعالم العربي على الساحة الدولية، والمساهمة في بناء الأمن القومي . باختصار، مستقبل الإعلام العربي الأفضل مرهون بقدرته على الجمع بين الأصالة والمعاصرة والتمسك بالهوية والقيم الأصيلة مع الانفتاح الكامل على أدوات العصر التكنولوجية والمهنية. هذا المسار يتطلب إرادة جماعية وجهدًا مستمرًا من الحكومات والمؤسسات والإعلاميين والجمهور على حد سواء .
التعليقات