المسرح هيكل مقدس. (تشيخوف). ما الفن الا ظل الانسانية. (غوركي). الفن روح علوية. (جبران خليل جبران) هذا بوقي وقد نفخت ترى هل تسمعون الصراخ!!. (رياض عصمت) قد يرى البعض في بعض الاراء الصادقة والمتسمة بصراحة متناهية قد يراها البعض وينظر لها من جنبة نفسية تُفسر بانها لحظة انفعال آنية لاغير . وهذا غير علمي ومنطقي بالمرة . واذا عدنا بادراجنا الى تعقب تطور الفكر النقدي عبر مسيرته الطويلة بدءاً من اليونان وصولا الى عصر النهضة وما افرزته من جمابذة في هذا المجال لو تساءلنا كيف تحققت هذه النهضة؟ ومن يقف وراءها؟ لكان الجواب حاضرا لدينا وهو وجود العقل المفكر والنقدي الذي لا تفوته الصغيرة والكبيرة في البناء الاجتماعي يتناولها في مختبره ويحللها ويفككها ومن ثم يجد لها الحلول الناجحة والكافية ومن هذا المنعطف الفكري . والنهضوي الكبير ياتي كتاب (خطايا المسرح العراقي زمن التكوين الى الانكسار) للاديب الفذ شوقي كريم حسن وهو من اواخر اصداراته حيث سبقه بكتاب (خطايا الادب العراقي) وهو سلسلة كما اخبر عنها صاحبها سوف تشمل السينما والدراما والاغنية العراقية . نهض الكتاب – كما هو معتاد – بمقدمة قصيرة حملت عنوان (ليست مقدمة، بل توضيح لمقاصد الفعل). اكد فيها الكاتب على ان كتابه الذي بين ايدينا ليس مسردا تاريخيا للعروض والمناسبات ، بل سيرة جرح ، وتاريخ للمسكوت عنه عبر اسئلة في غاية الاهمية من امثال: كيف تحوّل المسرح من مشروع وطني وانساني الى اداة حزبية؟ من سرق جمهور المسرح؟ هل كان الخراب قدرا ، ام نتيجة خيانة مزدوجة ، من الداخل والخارج؟ واخيرا: هل يمكن استعادة المسرح العراقي بوصفه فنا حيّا ، ام ان العودة مستحيلة؟!. وجاء في ختامها: هذا ليس كتابا عن المسرح فقط .. بل عن العراق ذاته ، حين خسر القدرة على الاصغاء لصوته العميق ، وسعى البعض الى محو كل ما يمكن ان يربطه بالجمال والفكر النير والفاعل .. الاوطان دون فن تشبه صحراء قاحلة ، منسية لا يحسب لها حساب!!.). توزع الكتاب على (15) فصلا امتدت على صفحاته الـ(140) صفحة من حجم الوسط . جاء الفصل الاول تحت عنوان ( البدايات .. مهد المسرح بين التبشير والتعليم). وفيها ياكد الكاتب على المسار التاريخي ومراحل تطور. فن المسرح وبواكير بداياته في منتصف القرن التاسع عشر عبر جهود المبشرين المسيحين ولاسيما الكاثوليك ، الذين انشاؤوا مدراس في بغداد والموصل والبصرة ، وصولا الى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين . ثم يذكر الكاتب شهادات من بعض المسرحيين العراقيين بهذا الصدد من امثال : عبد الامير الورد وهو من اوائل المخرجين العراقيين، ويوسف العاني اضافة الى شهادات عالمية موازية: لبرشت في اهمية المسرح ودوره البناء في الحياة الانسانية، ومما جاء فيها ما نصه: (.. يوسف العاني: كنا نؤمن ان الخشبة مكان للثأر من الظلم .. نريد ان نصنع وطنا على الخشبة حين عجزنا عن صنعه في الواقع!!. برشت الالماني: (المسرح الحقيقي لا يسلي فقط . بل يعلّم . انه ليس اقيونا للشعوب، بل مادة محفزة للفكر، المسرح يجب ان يكشف ، لا ان يجمّل، ان يهزّ ، لا ان يُطمئن!!). واما الفصل الثاني وهو ككل فصول هذا الكتاب جاء مكثفا وقصيرا في صفحاته حيث حمل عنوان(حين دخل الحزب الى الخشبة .. المسرح الايديولوجي وموت الخيال!!). ويتناول فيها الكاتب المسرح في ثمانينات القرن الماضي حيث تلفعت الحياة بكاملها باللون الخاكي إبان الحرب العراقية الايرانية ومما جاء فيها: (… ان كثيرا من المسرحيين استسلموا ، وبعضهم تحوّلوا الى ادوات دعائية، بل الى جنود في جبهة ” المسرح التعبوي” كتبوا نصوصا تمجد المعركة، وتجرم الحياد ، وتؤله الزعيم ، وتصور الحرب على انها نزهة شرف . .. وهكذا مات المسرح نفسه ، حين صار القفل جزءا من رسالته الفنية في زمن الايدلوجيا . ان الجوائز والمنح والتكريمات كانت توزع على اساس مدى الالتزام بخط الحزب ، لا بمدى الابداع الفني، وهكذا طرد الكثير من الموهوبين ، او سجنوا داخل بصمتهم . بينما تصدر المشهد مهرجون بلغة حربية .. في هذا الفصل الاسود من تاريخ المسرح العراقي . الُغيت العلاقة بين المتفرج والخشبة ، واستبدلت بعلاقة بين المتفرج والسلطة ، وصار النص يُقدم لا ليُفهم – بل ليُطيع – ولعل اكبر خطيئة ارتكبها المسرح آنذاك ، انه وافق – طائعا او مجبرا – على ان يكون ضد الحياة ، ضد السؤال ، ضد الفن). وفي ختام هذا الفصل يؤكد وبكل موضوعية ما نصه: (… دخل المسرح العراقي – انذاك – نفقا مظلما ، اصبح الخروج منه مؤجلا ، لان الروح التي اُرغمت على الركوع، بحاجة الى وقت طويل كي تنهض من جديد ، وتقول لا .. وما قالت لا .. الا في مرات لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة!!).
اما الفصل الرابع فقد جاء تحت عنوان: (الانهيار في الثمانينات .. حين اختلط الدم بالديكور). ومن الدال اللفظي لعتبة العنوان يظهر انه جاء استكمالا لحقبة الثمانينات والفصل الخاص بها (اعني الفصل الثالث) . وفيه يؤكد شهادات لنقاد عراقيين كبار بشأن هذه الفترة وما اصاب المسرح فيها . من امثال حاتم الصكر في دراسته: (المسرح والرؤية: جدل الرؤية والخطاب) حيث يقول فيها: ( ما قُدم من عروض خلال الثمانينات لا يمكن اعتباره مسرحا بالمعنى الفني، بل اقرب الى مشاهد دعائية ، لقد غابت الحبكة، وانطفأ الصراع الداخلي، وصار الممثل يؤدي دورا مسبقا لا شخصية تنمو على الخشبة . كنا نرى المقاتل البطل، ولا نري الانسان المكسور خلف البندقية). وهناك ايضا الناقد المعروف عواد علي في دراسته بعنوان (المسرح العراقي والحرب: الخطاب والتلقي). اذ يقول: (في كل مسرحيات الحرب ، يُطلب من الكاتب ان يُجسد المعركة ، لا ان يحللها، ان يصور العدو على انه شيطان ، لا كائنا يحمل فكرة اخرى ، ان يُنهي المسرحية بالنصر او الشهادة، لا بالخذلان او اللاجدوى ، لقد الغيت كل نهاية ممكنة ، باستثناء تلك التي ترضي العقيدة). وهناك شهادة للفنان الرائد يوسف العاني جاءت على شك
فرح تركي العامري
وسام الموسوي
أ.د حسين القاصد
التعليقات