“طفولة على هامش وطن”

صورة الكاتب
بقلم: زاهر الأسعد
التاريخ: 25 نوفمبر 2025 عدد المشاهدات: 913
“طفولة على هامش وطن”

كنت طفلًا

أحمل الخسارات في حقيبة زرقاء

اشتريناها على حساب الزيت والسكر

وكانت تئن كلما وضعت فيها كتابًا عن الوطن

في المدرسة

لم تكن الجدران بيضاء

كانت سجلًا للعقاب

كل خط بالقلم يُمحى بالصرخة

وكل كلمة تتحول إلى خطأ في دفتر المراقبة

الأستاذ كان يرى الكتابة خطيئة

ويرى المقعد الخشبي مكانًا للانضباط

لكنني كنت أجلس في آخر الصف

لا لأنني قصير أو طويل

بل لأنني وجدت هناك منفى صغيرًا

أخفي فيه وجهي خلف الحروف

وأفتح شقًا في الجدار

كي يتسلل منه الضوء

أبي كان يقول

الشغب لا يصنع مستقبلًا

لكنني كنت أراه بذرة

أخطها بالطباشير

كأنني أخلخل القيد

وأحول الفوضى إلى نافذة

يدخل منها الضوء

كبرت

فصارت الحقيبة أرشيفًا يتنفس

والحقل غرفة بلا نوافذ

والحلم موعدًا مؤجلًا لا يأتي

لكنني ما زلت أسقط

كل يوم

في وحل جديد

وأضحك

كأنني أمارس طفولتي

على طريقة الكبار

أتذكر

خبزًا باردًا

وجار صار مديرًا لأنه طأطأ رأسه

وأنا الذي حفرت نافذة في العدم

كي يتسرب منها الضوء

ما زلت أؤمن أن الحزن يتحول إلى لغة

وأن الكتابة ليست هروبًا

بل مقاومة صغيرة

تحول الحقيبة إلى وطن متنقل

والكلمة إلى فناء مفتوح

والضحك في الوحل

إلى إعلان عن حياة لا تهزم

أنا طفل كبر

لكن طفولتي ما زالت على الهامش

تتمسك بظلها

وتترك سؤالًا معلقًا في الهواء

هل الوطن أثر يمحى

عن الکاتب / الکاتبة

زاهر الأسعد
زاهر الأسعد
شاعر/ فلسطین

مقالات أخرى للكاتب

لا توجد مقالات أخرى لهذا الكاتب.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


“طفولة على هامش وطن”

بقلم: زاهر الأسعد | التاريخ: 25 نوفمبر 2025

التصنيف: الشعر

كنت طفلًا

أحمل الخسارات في حقيبة زرقاء

اشتريناها على حساب الزيت والسكر

وكانت تئن كلما وضعت فيها كتابًا عن الوطن

في المدرسة

لم تكن الجدران بيضاء

كانت سجلًا للعقاب

كل خط بالقلم يُمحى بالصرخة

وكل كلمة تتحول إلى خطأ في دفتر المراقبة

الأستاذ كان يرى الكتابة خطيئة

ويرى المقعد الخشبي مكانًا للانضباط

لكنني كنت أجلس في آخر الصف

لا لأنني قصير أو طويل

بل لأنني وجدت هناك منفى صغيرًا

أخفي فيه وجهي خلف الحروف

وأفتح شقًا في الجدار

كي يتسلل منه الضوء

أبي كان يقول

الشغب لا يصنع مستقبلًا

لكنني كنت أراه بذرة

أخطها بالطباشير

كأنني أخلخل القيد

وأحول الفوضى إلى نافذة

يدخل منها الضوء

كبرت

فصارت الحقيبة أرشيفًا يتنفس

والحقل غرفة بلا نوافذ

والحلم موعدًا مؤجلًا لا يأتي

لكنني ما زلت أسقط

كل يوم

في وحل جديد

وأضحك

كأنني أمارس طفولتي

على طريقة الكبار

أتذكر

خبزًا باردًا

وجار صار مديرًا لأنه طأطأ رأسه

وأنا الذي حفرت نافذة في العدم

كي يتسرب منها الضوء

ما زلت أؤمن أن الحزن يتحول إلى لغة

وأن الكتابة ليست هروبًا

بل مقاومة صغيرة

تحول الحقيبة إلى وطن متنقل

والكلمة إلى فناء مفتوح

والضحك في الوحل

إلى إعلان عن حياة لا تهزم

أنا طفل كبر

لكن طفولتي ما زالت على الهامش

تتمسك بظلها

وتترك سؤالًا معلقًا في الهواء

هل الوطن أثر يمحى