التهويدات وأغاني اللعب والترقیص : خصائصها وتأثيرها على الطفل

صورة الكاتب
بقلم: طاهرة ایبُد
التاريخ: 16 نوفمبر 2025 عدد المشاهدات: 14
التهويدات وأغاني اللعب والترقیص : خصائصها وتأثيرها على الطفل

تمثل التهويدات واناشيد الالعاب وأغاني الترقيص جزءا من الادب الشعبي والادب الشفهي، والتي تدفقت منذ القدم من اذهان مبدعين مجهولين، ثم شاعت بين الناس، لتورث ككنز قيم الى اطفال العصر الحاضر. تتمتع الهزاريات واناشيد الالعاب بمكانة خاصة عند جميع الامم والقوميات ذات التراث الثقافي الغني. يهدف هذا المقال الى تحليل بنية الهزاريات واناشيد الالعاب، ودورها في حياة الطفل، وأثرها في نمو شخصيته وخياله. الفولكلور هو فرع من علم الأعراق البشرية (الإثنولوجيا) والأنثروبولوجيا، يعكس الحياة الاجتماعية والثقافية للشعوب، ويجسد رؤيتها وسلوكها وفكرها ومعتقداتها ومشاعرها ودينها وأخلاقها. تتكون فروع هذه الشجرة العملاقة من:العادات والتقاليد والألعاب والترفيه والقصص والحكايات الأسطورية والحكايات الشعبية القصيرة والتهويدات وأغاني الترقيص والأمثال الشعبية والألغاز واهازيج الفرح والمرثيات. إحدى خصائص الفولكلور اعتماده على اللغة المنطوقة والجوانب السلوكية، وتشابكه في نسيج حياة الناس. يلعب الفولكلور دورًا محوريًا في تشكيل هوية الأمة وثقافتها، ويُعد شهادة ميلادها. يمكن تصنيف الفولكلور حسب:الموقع الجغرافي والجنس والفئة العمرية للمتلقين ومعايير أخرى. ما يهم هذا المقال تحديدًا هو التهويدات وأغاني الألعاب وأغاني الترقيص الموجهة الي الاطفال. مع أن تغير نمط حياة الناس في عصر الحداثة والرأسمالية وقلة الوقت داخل العائلات قد زاد من ميلهم للعيش المنفرد، وأصبحنا نرى القليل من الألعاب الغنائية وأناشيد اللعب والترقيص  والتهويدات في شوارع وأزقة المدن الكبرى، إلا أن القيمة والمكانة والتأثير ودور التهويدات والألعاب الغنائية وأغاني الترقيص في حياة الطفل لم تنقص أبدا وذلك لأنه من وجهة نظر علم نفس النمو وتنمية الإبداع عند الطفل، فإن الخصائص الفريدة للتهويدات والألعاب الغنائية وأغاني الترقيص  تلبي الكثير من احتياجات وشغف هذه الفئة العمرية. “هذا الفرع من الادب الشعبي كان حاضرا دائما في حياة الطفل، ويمنحه الحماس والانفعال اللذين يعدان ضروريين لاجتیاز هذه المرحلة من عمره. فالانفعال الكامن في التهويدات واناشيد الالعاب وأغاني الترقیص يلعب دورا بارزا في خلق البهجة والحيوية لدى المتلقي.مبدعو ومنشئو التهويدات والالعاب الغنائية مجهولون، ولا يمكن القول ان ملحني او مؤدي اي منها كانوا خبراء يمتلكون معرفة كافية بالطفل وخصائص الطفولة، وانهم ابدعوا هذه الاعمال بناء على احتياجات هذه الفئة العمرية ورغباتها. لكن العناصر الموجودة في التهويدات تدل على ان هذه الاعمال قريبة جدا من عالم الطفل ومنظوره للعالم من حوله. ربما من الافضل القول انه من بين الالعاب الغنائية والتهويدات، استمرت تلك التي تمتعت بخصائص جمالية وحسية كافية، فنقلت شفاهيا وتغيرت خلال انتقالها عبر الحکواتیین والرواة، مما منحها صبغة محلية واثنيا وعزز اجزاءها المفرحة والجذابة والمؤثرة. وجود انواع مختلفة من التهويدة او اللعبة الغنائية في مدن متعددة هو تأكيد على هذه النقطة.
“يكتب الدكتور محمد جعفر محجوب في هذا الشأن: «سبب هذا النوع من الاختلافات يمكن فهمه بسهولة. كل راو وقاص يمتلك – حسب ذوقه الشخصي والطريقة التي تعلمها من معلمه – تعابير وزخارف خاصة لإضفاء الحيوية على القصة، وإذا ما شرع في تدوين قصة، فإنه يسجل الأحداث والوقائع بنفس الزخارف والتفاصيل التي يحفظها، وبالتالي تكتسب القصة الواحدة صيغا متعددة».

النقطة اللافتة في والتهويدات واناشيد الالعاب هي وجود عناصر ومكونات مشتركة تجعلها جذابة ومثيرة للمتلقي. کما أن درجة جاذبية التهويدات والالعاب الغنائية كبيرة لدرجة أن البالغين أيضا عند سماع الجملة الافتتاحية والعديد من أغاني الترقیص واناشيد الالعاب الأخرى، يرددون باقيها لا إراديا، وأحيانا تستثار رغبتهم في اللعب كذلك.

التهويدات – على عكس عنوانها والتفسير الذي يُفهم منها – ليست فارغة أو بلا معنى. إنها تحمل خصائص وجوانب مهمة وجديرة بالدراسة من النواحي الشكلية والجمالية. عند تشريح التهويدات، هذه السمات والخصائص تصبح واضحة للعيان:

1-حضور شخصيات وسلوكيات وافعال غريبة وعجيبة، قد لا يمتلك المتلقي اي تصور ذهني عنها، واحيانا تكون هذه السمة مصحوبة بتناقض واختلاف.

2-التهويدات موسيقية الطابع وتمتلك ايقاعا لفظيا. فالقافية تعزز الايقاع وتزيد متعة التلاوة والاستماع. النقطة الملحوظة والمثيرة للاهتمام هنا هي ان خلق الموسيقى والايقاع في التهويدات واناشيد الالعاب لا يعتمد على معرفة المتلقي او حصيلته اللغوية.

3-صياغة كلمات مفرغة الدلالة لكنها محكومة بالوزن، واستخدام تنظيم الاصوات، هما من الخصائص الفريدة لجميع تهويدات العالم. الكلمات الغريبة والموسيقية لكنها خالية المعنى، تلعب دورا رئيسيا في بنية التهويدات وقيمتها الجمالية. «طريقة ادراك هذه النقطة وتجربتها… هي الاستماع لقصيدة بلغة اجنبية لا نملك اي معرفة بمعاني كلماتها.»

على سبيل المثال، يستمتع المستمع غير الناطق بالانجليزية بسماع التهويدة الانجليزية التالية، دون حاجة للانتباه لمعاني الكلمات:”

Hickory, dickory, dock

The mice ran up the clock

The clock struck one

The mice ran down

Hickory, dickory, dock

4الايقاع والاوزان المستخدمة في الاغاني والتهويدات في اللعب، هي ايقاعات حيوية ونشطة.
اللعب بمفرده يمكن أن يخلق النشاط والطاقة في المتلقي. هذا الحال والشعور الداخلي موجود بسبب خمس خصائص في اللعب: “أولاً، أنه يحمل دافعاً داخلياً. هدفه كامنٌ في ذاته ويتم القيام به فقط من أجل الرضا الناتج عن أدائه. ثانياً، خاصية اللعب الأساسية هي أنه اختيار حر… ثالثاً، خاصيته الأساسية أنه ممتع. رابعاً، خاصية الهروب من الواقع. وهذا يعني أنه يرتبط بعنصر التظاهر (make-believe) أي تشويه الواقع ليتلاءم مع رغبات اللاعب… أخيراً، يجب أن يشارك اللاعب في اللعب بنشاط.

5 .الطيف المتنوع من العناصر، والاشياء، والبشر، والحيوانات، والطيور الموجودة في تهويدات وأغاني اللعب والترقیص  هي في الغالب تلك التي يعرفها المتلقي عن قرب. (هذه السمة مذكورة مع مراعاة الفترة التي نشأت فيها التهويدات في زمانها).

6.تهويدات وأغاني اللعب لها في الغالب وظيفة جماعية. عادة ما يردد شخص أو مجموعة جزءا منها، بينما يجيب الآخرون.

7.كثير من التهويدات والأغاني الغنائية لها فائدة جسدية. “وهذا السبب جعل عدم منطقية وسببیة الاحداث والوقائع غير مهمة للطفل. خاصة وأن في بعضها، تلبي الحركات الرياضية حاجة الطفل لإطلاق القوى المتراكمة والمخزنة في جسده”.

8.في التهويدات، كل شيء ممكن الوقوع. تتحقق الاماني المستحيلة، والقوانين الثابتة تتغير.


تأثير التهويدات والألعاب الغنائية على الطفل
التهويدات وإن بدت ظاهريا مجرد وسيلة ترفيه للمتلقي دون انتظار هدف أو معنى منها؛ إلا أن دورها وتأثيرها على الطفل من الناحية النفسية ونمو الذوق والخيال ونقل البهجة إليه، جدير بالدراسة .يمكن تصنيف تأثير التهويدات والألعاب الغنائية وأغاني الترقیص كالتالي:

  1. تساعد التهويداتالمتلقي الصغير على تمييز الأصوات. عندما يسمع الطفل كلمات التهويدة غير ذات المعنى، يركز فقط على الصوت دون انشغال ذهنه باستقبال معنى الكلمة. «استخدام كلمة ذات معنى مألوف ومحدد للطفل قد يؤدي إلى مناقشات خارج الموضوع ويقلل من سرعة تمييز الأصوات.» «الأطفال الذين بدأوا حديثا تعلم القراءة والهجاء، يميلون أكثر إلى نطق أسماء الحروف وينشغلون بتهجئة الكلمة فيفقدون تركيزهم على صوت الحروف.»
  2. تزيد التهويداتالجانب المعرفي للصغير والطفل عن البيئة والحيوانات التي قد لا توجد حتى في بيئته.
  3. تمنح التهويداتالمتلقي فرصة للتخيل. الكلمات ذات المعنى تحصر ذهن المتلقي في أطر وتغلق عليه طريق التجاوز للمعاني الثابتة. بينما تسمح الكلمات والعبارات عديمة المعنى للطفل بتخيلها أي شيء (جماد، إنسان، حيوان…) وأن يمنحها معنى من خياله أو ألا يفعل.
  4. تعزز التهويداتالثقة بالنفس لدى الطفل. عندما يسمع الطفل عبارة غير ذات المعنى في تهويدة، يستطيع صياغة كلمات وإن كانت غير صحيحة نحويا، إلا أنها تحقق للطفل متعة ابتكار كلمة وتكرار الإيقاع والمقطع والقافية. هذا الفعل يقوي فيه إيمانه بقدرته ويخلق فيه بهجة. كما يحدث في السنوات الأولى لاكتساب اللغة حين يحاول الطفل النطق ويبدأ بصياغة كلمات. كثير من الأطفال الذين بدأوا حديثا بالنطق يصيغون كلمات لأشياء أو حيوانات أو حتى مفاهيم حسية ومجردة.
  5. تشكل التهويداتجزءا من هوية الطفل وثقافته. تتشربها روحه، تصنع له ذكريات، وتربطه بمجموعته وقومه وأمته. “في نسيج بعض هذه الاغاني، تظهر قصص قصيرة أو رواية تحتوي على خطوط سردية. من الواضح أن معايير وقواعد القصة ليس لها دور في هذه الاغاني، وإنما مجرد خبر أو تقرير عن حدوث حالة أو فعل قد لا يكون له معنى أو هدف محدد، هو ما يمنح الاغنية هذه الصفة”. التكرار سمة مهمة للغاية تضفي طابعا طفوليا على العمل. هذه السمة تظهر بكثرة في التهويدات والالعاب الغنائية. الطفل يجد متعة في تكرار المقاطع والأصوات. وهذا يؤدي إلى تعلم الاصوات بسرعة. كتب ايتالو كالفينو عن هذا: “فن الرواية الشفاهية في التراث الشعبي… يركز على التكرارات”.

 

المصادر

  1. شورای کتاب کودک.فرهنگنامه کودکان و نوجوانان (المجلد الثاني). شركت تهيه و نشر فرهنگنامه کودکان و نوجوانان، 1376هـ.ش.
  2. محمد جعفر محجوب.الأدب الشعبي الإيراني (المجلد الأول). تحقيق د. حسن ذوالفقاري. نشر چشمه، 1382هـ.ش.
  3. أوزوالد هانفلينغ (Oswald Hanfling).ما هي الفن؟ترجمة علي رامين. انتشارات هرمس، 1389هـ.ش.
  4. فيرغوس بيتر هيوز (Fergus Peter Hughes).سيكولوجية اللعب (الأطفال، اللعب، والنمو). ترجمة كامران كنجي. انتشارات رشد.
  5. محمود كيانوش.شعر الطفل في إيران. انتشارات آگاه، 1355هـ.ش. (ص 18).
  6. محمد أحمد بناهي (بناهي سمناني).الاغنية وتأليف الاغاني في إيران. انتشارات سروش، 1376هـ.ش.
  7. ايتالو كالفينو (Italo Calvino).ست مذكرات للألفية القادمة (Sei memos per il prossimo millennio). ترجمة ليلي گلستان. كتاب مهناز.
  8. speech-language-development.com(موقع إلكتروني متخصص في تطور اللغة والكلام).

 

 

 

 

 

 

 

عن الکاتب / الکاتبة

طاهرة ایبُد
طاهرة ایبُد
قاصة وروائیة / ایران

مقالات أخرى للكاتب

لا توجد مقالات أخرى لهذا الكاتب.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


التهويدات وأغاني اللعب والترقیص : خصائصها وتأثيرها على الطفل

بقلم: طاهرة ایبُد | التاريخ: 16 نوفمبر 2025

التصنيف: أدب الأطفال

تمثل التهويدات واناشيد الالعاب وأغاني الترقيص جزءا من الادب الشعبي والادب الشفهي، والتي تدفقت منذ القدم من اذهان مبدعين مجهولين، ثم شاعت بين الناس، لتورث ككنز قيم الى اطفال العصر الحاضر. تتمتع الهزاريات واناشيد الالعاب بمكانة خاصة عند جميع الامم والقوميات ذات التراث الثقافي الغني. يهدف هذا المقال الى تحليل بنية الهزاريات واناشيد الالعاب، ودورها في حياة الطفل، وأثرها في نمو شخصيته وخياله. الفولكلور هو فرع من علم الأعراق البشرية (الإثنولوجيا) والأنثروبولوجيا، يعكس الحياة الاجتماعية والثقافية للشعوب، ويجسد رؤيتها وسلوكها وفكرها ومعتقداتها ومشاعرها ودينها وأخلاقها. تتكون فروع هذه الشجرة العملاقة من:العادات والتقاليد والألعاب والترفيه والقصص والحكايات الأسطورية والحكايات الشعبية القصيرة والتهويدات وأغاني الترقيص والأمثال الشعبية والألغاز واهازيج الفرح والمرثيات. إحدى خصائص الفولكلور اعتماده على اللغة المنطوقة والجوانب السلوكية، وتشابكه في نسيج حياة الناس. يلعب الفولكلور دورًا محوريًا في تشكيل هوية الأمة وثقافتها، ويُعد شهادة ميلادها. يمكن تصنيف الفولكلور حسب:الموقع الجغرافي والجنس والفئة العمرية للمتلقين ومعايير أخرى. ما يهم هذا المقال تحديدًا هو التهويدات وأغاني الألعاب وأغاني الترقيص الموجهة الي الاطفال. مع أن تغير نمط حياة الناس في عصر الحداثة والرأسمالية وقلة الوقت داخل العائلات قد زاد من ميلهم للعيش المنفرد، وأصبحنا نرى القليل من الألعاب الغنائية وأناشيد اللعب والترقيص  والتهويدات في شوارع وأزقة المدن الكبرى، إلا أن القيمة والمكانة والتأثير ودور التهويدات والألعاب الغنائية وأغاني الترقيص في حياة الطفل لم تنقص أبدا وذلك لأنه من وجهة نظر علم نفس النمو وتنمية الإبداع عند الطفل، فإن الخصائص الفريدة للتهويدات والألعاب الغنائية وأغاني الترقيص  تلبي الكثير من احتياجات وشغف هذه الفئة العمرية. “هذا الفرع من الادب الشعبي كان حاضرا دائما في حياة الطفل، ويمنحه الحماس والانفعال اللذين يعدان ضروريين لاجتیاز هذه المرحلة من عمره. فالانفعال الكامن في التهويدات واناشيد الالعاب وأغاني الترقیص يلعب دورا بارزا في خلق البهجة والحيوية لدى المتلقي.مبدعو ومنشئو التهويدات والالعاب الغنائية مجهولون، ولا يمكن القول ان ملحني او مؤدي اي منها كانوا خبراء يمتلكون معرفة كافية بالطفل وخصائص الطفولة، وانهم ابدعوا هذه الاعمال بناء على احتياجات هذه الفئة العمرية ورغباتها. لكن العناصر الموجودة في التهويدات تدل على ان هذه الاعمال قريبة جدا من عالم الطفل ومنظوره للعالم من حوله. ربما من الافضل القول انه من بين الالعاب الغنائية والتهويدات، استمرت تلك التي تمتعت بخصائص جمالية وحسية كافية، فنقلت شفاهيا وتغيرت خلال انتقالها عبر الحکواتیین والرواة، مما منحها صبغة محلية واثنيا وعزز اجزاءها المفرحة والجذابة والمؤثرة. وجود انواع مختلفة من التهويدة او اللعبة الغنائية في مدن متعددة هو تأكيد على هذه النقطة.
“يكتب الدكتور محمد جعفر محجوب في هذا الشأن: «سبب هذا النوع من الاختلافات يمكن فهمه بسهولة. كل راو وقاص يمتلك – حسب ذوقه الشخصي والطريقة التي تعلمها من معلمه – تعابير وزخارف خاصة لإضفاء الحيوية على القصة، وإذا ما شرع في تدوين قصة، فإنه يسجل الأحداث والوقائع بنفس الزخارف والتفاصيل التي يحفظها، وبالتالي تكتسب القصة الواحدة صيغا متعددة».

النقطة اللافتة في والتهويدات واناشيد الالعاب هي وجود عناصر ومكونات مشتركة تجعلها جذابة ومثيرة للمتلقي. کما أن درجة جاذبية التهويدات والالعاب الغنائية كبيرة لدرجة أن البالغين أيضا عند سماع الجملة الافتتاحية والعديد من أغاني الترقیص واناشيد الالعاب الأخرى، يرددون باقيها لا إراديا، وأحيانا تستثار رغبتهم في اللعب كذلك.

التهويدات – على عكس عنوانها والتفسير الذي يُفهم منها – ليست فارغة أو بلا معنى. إنها تحمل خصائص وجوانب مهمة وجديرة بالدراسة من النواحي الشكلية والجمالية. عند تشريح التهويدات، هذه السمات والخصائص تصبح واضحة للعيان:

1-حضور شخصيات وسلوكيات وافعال غريبة وعجيبة، قد لا يمتلك المتلقي اي تصور ذهني عنها، واحيانا تكون هذه السمة مصحوبة بتناقض واختلاف.

2-التهويدات موسيقية الطابع وتمتلك ايقاعا لفظيا. فالقافية تعزز الايقاع وتزيد متعة التلاوة والاستماع. النقطة الملحوظة والمثيرة للاهتمام هنا هي ان خلق الموسيقى والايقاع في التهويدات واناشيد الالعاب لا يعتمد على معرفة المتلقي او حصيلته اللغوية.

3-صياغة كلمات مفرغة الدلالة لكنها محكومة بالوزن، واستخدام تنظيم الاصوات، هما من الخصائص الفريدة لجميع تهويدات العالم. الكلمات الغريبة والموسيقية لكنها خالية المعنى، تلعب دورا رئيسيا في بنية التهويدات وقيمتها الجمالية. «طريقة ادراك هذه النقطة وتجربتها… هي الاستماع لقصيدة بلغة اجنبية لا نملك اي معرفة بمعاني كلماتها.»

على سبيل المثال، يستمتع المستمع غير الناطق بالانجليزية بسماع التهويدة الانجليزية التالية، دون حاجة للانتباه لمعاني الكلمات:”

Hickory, dickory, dock

The mice ran up the clock

The clock struck one

The mice ran down

Hickory, dickory, dock

4الايقاع والاوزان المستخدمة في الاغاني والتهويدات في اللعب، هي ايقاعات حيوية ونشطة.
اللعب بمفرده يمكن أن يخلق النشاط والطاقة في المتلقي. هذا الحال والشعور الداخلي موجود بسبب خمس خصائص في اللعب: “أولاً، أنه يحمل دافعاً داخلياً. هدفه كامنٌ في ذاته ويتم القيام به فقط من أجل الرضا الناتج عن أدائه. ثانياً، خاصية اللعب الأساسية هي أنه اختيار حر… ثالثاً، خاصيته الأساسية أنه ممتع. رابعاً، خاصية الهروب من الواقع. وهذا يعني أنه يرتبط بعنصر التظاهر (make-believe) أي تشويه الواقع ليتلاءم مع رغبات اللاعب… أخيراً، يجب أن يشارك اللاعب في اللعب بنشاط.

5 .الطيف المتنوع من العناصر، والاشياء، والبشر، والحيوانات، والطيور الموجودة في تهويدات وأغاني اللعب والترقیص  هي في الغالب تلك التي يعرفها المتلقي عن قرب. (هذه السمة مذكورة مع مراعاة الفترة التي نشأت فيها التهويدات في زمانها).

6.تهويدات وأغاني اللعب لها في الغالب وظيفة جماعية. عادة ما يردد شخص أو مجموعة جزءا منها، بينما يجيب الآخرون.

7.كثير من التهويدات والأغاني الغنائية لها فائدة جسدية. “وهذا السبب جعل عدم منطقية وسببیة الاحداث والوقائع غير مهمة للطفل. خاصة وأن في بعضها، تلبي الحركات الرياضية حاجة الطفل لإطلاق القوى المتراكمة والمخزنة في جسده”.

8.في التهويدات، كل شيء ممكن الوقوع. تتحقق الاماني المستحيلة، والقوانين الثابتة تتغير.


تأثير التهويدات والألعاب الغنائية على الطفل
التهويدات وإن بدت ظاهريا مجرد وسيلة ترفيه للمتلقي دون انتظار هدف أو معنى منها؛ إلا أن دورها وتأثيرها على الطفل من الناحية النفسية ونمو الذوق والخيال ونقل البهجة إليه، جدير بالدراسة .يمكن تصنيف تأثير التهويدات والألعاب الغنائية وأغاني الترقیص كالتالي:

  1. تساعد التهويداتالمتلقي الصغير على تمييز الأصوات. عندما يسمع الطفل كلمات التهويدة غير ذات المعنى، يركز فقط على الصوت دون انشغال ذهنه باستقبال معنى الكلمة. «استخدام كلمة ذات معنى مألوف ومحدد للطفل قد يؤدي إلى مناقشات خارج الموضوع ويقلل من سرعة تمييز الأصوات.» «الأطفال الذين بدأوا حديثا تعلم القراءة والهجاء، يميلون أكثر إلى نطق أسماء الحروف وينشغلون بتهجئة الكلمة فيفقدون تركيزهم على صوت الحروف.»
  2. تزيد التهويداتالجانب المعرفي للصغير والطفل عن البيئة والحيوانات التي قد لا توجد حتى في بيئته.
  3. تمنح التهويداتالمتلقي فرصة للتخيل. الكلمات ذات المعنى تحصر ذهن المتلقي في أطر وتغلق عليه طريق التجاوز للمعاني الثابتة. بينما تسمح الكلمات والعبارات عديمة المعنى للطفل بتخيلها أي شيء (جماد، إنسان، حيوان…) وأن يمنحها معنى من خياله أو ألا يفعل.
  4. تعزز التهويداتالثقة بالنفس لدى الطفل. عندما يسمع الطفل عبارة غير ذات المعنى في تهويدة، يستطيع صياغة كلمات وإن كانت غير صحيحة نحويا، إلا أنها تحقق للطفل متعة ابتكار كلمة وتكرار الإيقاع والمقطع والقافية. هذا الفعل يقوي فيه إيمانه بقدرته ويخلق فيه بهجة. كما يحدث في السنوات الأولى لاكتساب اللغة حين يحاول الطفل النطق ويبدأ بصياغة كلمات. كثير من الأطفال الذين بدأوا حديثا بالنطق يصيغون كلمات لأشياء أو حيوانات أو حتى مفاهيم حسية ومجردة.
  5. تشكل التهويداتجزءا من هوية الطفل وثقافته. تتشربها روحه، تصنع له ذكريات، وتربطه بمجموعته وقومه وأمته. “في نسيج بعض هذه الاغاني، تظهر قصص قصيرة أو رواية تحتوي على خطوط سردية. من الواضح أن معايير وقواعد القصة ليس لها دور في هذه الاغاني، وإنما مجرد خبر أو تقرير عن حدوث حالة أو فعل قد لا يكون له معنى أو هدف محدد، هو ما يمنح الاغنية هذه الصفة”. التكرار سمة مهمة للغاية تضفي طابعا طفوليا على العمل. هذه السمة تظهر بكثرة في التهويدات والالعاب الغنائية. الطفل يجد متعة في تكرار المقاطع والأصوات. وهذا يؤدي إلى تعلم الاصوات بسرعة. كتب ايتالو كالفينو عن هذا: “فن الرواية الشفاهية في التراث الشعبي… يركز على التكرارات”.

 

المصادر

  1. شورای کتاب کودک.فرهنگنامه کودکان و نوجوانان (المجلد الثاني). شركت تهيه و نشر فرهنگنامه کودکان و نوجوانان، 1376هـ.ش.
  2. محمد جعفر محجوب.الأدب الشعبي الإيراني (المجلد الأول). تحقيق د. حسن ذوالفقاري. نشر چشمه، 1382هـ.ش.
  3. أوزوالد هانفلينغ (Oswald Hanfling).ما هي الفن؟ترجمة علي رامين. انتشارات هرمس، 1389هـ.ش.
  4. فيرغوس بيتر هيوز (Fergus Peter Hughes).سيكولوجية اللعب (الأطفال، اللعب، والنمو). ترجمة كامران كنجي. انتشارات رشد.
  5. محمود كيانوش.شعر الطفل في إيران. انتشارات آگاه، 1355هـ.ش. (ص 18).
  6. محمد أحمد بناهي (بناهي سمناني).الاغنية وتأليف الاغاني في إيران. انتشارات سروش، 1376هـ.ش.
  7. ايتالو كالفينو (Italo Calvino).ست مذكرات للألفية القادمة (Sei memos per il prossimo millennio). ترجمة ليلي گلستان. كتاب مهناز.
  8. speech-language-development.com(موقع إلكتروني متخصص في تطور اللغة والكلام).