إن القصص التي نكتبها للأطفال من حيث الحبكة الفنية قُسمت إلى ثلاثة أنواع هي :
- قصة الحادثة (القصة السردية) / تركز على الحدث وعنصر الحركة ولا تركز على اسم الشخوص.
- قصة الشخصية / تركز على الشخصية
- قصة الفكرة / تركز على الفكرة وبعدها الشخصيات([1])
إن اختيار نوع القصة التي يكتبها الكاتب ليس بالأمر الهين، ففكرة القصة هي التي توجه الكاتب نحو تحديد نوعها وهي التي تسيّر الكاتب نحو النهايات مروراً بالطرق والأساليب والأفكار، ويخطي الكاتب كثيراً إذا فكر مسبقاً في كتابة قصة للأطفال حسب الفرع الذي يرتئيه، لنفهم الآن الأنواع الثلاثة ثم نقرر.
- قصة الحادثة / هي قصة تركز على الحادثة (الواقعة) التي تتمدد في ثنايا القصة، بكل وضوح وعمق لما في ذلك من أهداف مثالية تجذب ألقاريء الصغير إليها باعتبارها أحداثا غير مركزة على الشخوص رسماً وتوضيحاً وتعبيراً، حيث أن الشخوص فيها مكملات ليس إلا، فالتركيز القصصي كله منصب على الحادثة كما هو واضح في قصتي (القطار)([2]) مثلاً , فالقصة تدور حول قطار يمر قرب إحدى القرى وكانت هناك علاقة طيبة بين القطار متمثلاً بـسائقه وبين أطفال القرية، وبعد أن أمطرت السماء مطراً غزيراً هدد سكة القطار وقابلية سقوط القطار اثناء مروره عليها فقد تنبه الأطفال لذلك وقرروا أن ينقذوا القطار بإبعاد المياه عن السكة والعمل والتعاون وفعلاً كان لهم ما أرادوا وشكر سائق القطار أصدقاءه ووزع عليهم الحلوى واستمر في رحلته وعاد الأطفال إلى القرية فرحين وهم يقلدون صوت القطار .
فالحادثة في (قصة القطار) واضحة ومهيمنة على حدث القصة ، وما الأطفال والسائق وأبناء القرية إلاّ أدوات تسير في خدمة الحادثة الكبيرة ألا وهي تعرض القطار للخطر وانقلابه والسعي الحثيث لإنقاذه من هذا الانقلاب ، فليس هناك اسم الطفل أو أحد أبناء القرية فهم لم يدخلوا القصة كفاعلين بشكل شخصي بل دخلوا باسم جمعي حتى سائق القطار، فأنه أيضاً كان جزءاً من هذا التوجه الذي يعمل على حماية القطار مع التركيز على فعل الأحداث وحركتها وبيانها دون الأشخاص، ونجد قصة الحدث واضحة كل الوضوح في قصة (الشاحنة الكبيرة) ([3]) حيث تكون الشاحنة هي البطلة لقصة الحادثة والحادثة هي قيامها بنقل حمولتها من غذاء وحليب للأطفال والناس الذين ينتظرونها عند السوق، وإثناء حركتها وربما ضايقت الآخرين في الطريق لكن تلك المضايقة كانت لأجل الأطفال، حيث أن القصة مليئة بالأحداث والحركة وان تلك الأحداث هي محور القصة من دون التوسع أو الإسهاب أو التفصيل بالشخوص، السائق، والآخرون في الطرق، الناس الذين ينتظرون قدومها، حيث كانت (الشاحنة) وما تفعله من أحداث هو الحدث المسيطر على سير القصة (نص القصة ).
- قصة الشخصية / هي القصة التي تكتب للأطفال ويكون التركيز فيها على الشخصية أولا وما الأحداث إلا لوضع الأطر والسمات على تلك الشخصية، حيث ينصب جهد الكاتب في هذا النوع من القصص على رسم ملامح شخصية القصة والتي تكون محوراً للقصة وتوضيح كل ما تريده أو تفكر به وما الأشخاص الآخرون الذين يدخلون في (قصة الشخصية) فهم شخوص مكملة أو مساعدة لهذه الشخصية ووضوحها لدى المتلقي، ولكي تكون (قصة الشخصية) ناجحة لا بد أن تكون الشخصية على مستوى البناء القصصي من حيث الإقناع والوضوح والرؤية، قوية غير ضعيفة ، صادقة غير مترددة ، مقنعه غير باهته، ايجابية غير سلبية , ذات غيره واضحة وغير هلامية القصد، نستقي منها دروسا وعبرا مستقاة من نهاية القصة وما وصلت إليه في تفكيرها سواء أكان ناجحا أو فاشلاً، فالنجاح يجعل المتلقي يتمسك بسلوكها الناجح والفشل يجعله مبتعداً عن ذلك السلوك وهذا ما ظهر واضحاً في قصة (الديك الملون) حيث تكون شخصية الديك هي الشخصية المحورية وكل الأحداث تدور حوله وهو الذي يقوم بالأحداث تحقيقاً لفكرته ، فهو الذي يذهب إلى مدرسة الغابة وهو الذي يستغرب من الأرض المبتلة وهو الذي يسألها وهو الذي يفكر وهو الذي يواصل سيره وهو الذي عرف ان تلك السنابل هي تلك الحبوب التي نثرها وغطاها بالتراب وأخيراً هو الذي فرح كثيراً .
في هذه القصة وغيرها الكثير من قصص التي تهتم بالشخصية وما تطرحه من أفعال وأحداث تشد المتلقي إليها وتجعله قريباً من الكاتب ولما فيها من أمور مقنعة تنقل الطفل الى عالم الخيال باسلوب تربوي نسعى كلنا لإيصاله إليه.
- قصة الفكرة / هي تلك القصة التي تبدو فيها الفكرة واضحة، وتتوضح هذه الفكرة من خلال توضيح حركة الأشخاص ومسيرتهم، وهناك ثلاث قصص تدل بوضوح على قصة الفكرة في قصصي للأطفال وهي (قصة الفرح الأخضر) ([4]) و(قصة الأصدقاء المتعاونون) ([5]) و(قصة الفار والقط الرمادي) ([6]) ، ففكرة (قصة الفرح الأخضر) أن (سمار) طالبة تحب الرسم وحينما أمسكت علبة الألوان لترسم صورة تأوهت الأقلام بين يديها لأنها لا تريد أن تضيع ألوانها على الورقة، إلا القلم ذو اللون الأخضر فقد فرح كثيراً حينما بدأت (سمار) ترسم به وكان سعيداً جداً بذلك وفي المرة الثانية حينما فتحت (سمار) علبة الألوان لترسم شيئاً جميلاً تعلقت كل الأقلام بأصابعها، كل قلم يريد منها أن ترسم به بعد ما عرفت سعادة القلم الأخضر وهي ترسم به ، وحدث صراع وتزاحم بين الجميع وأخيرا اهتدت (سمار) إلى طريقة ترضي بها الجميع فأمسكت كل الأقلام وبدأت ترسم بها جميعاً.
فالفكرة هنا واضحة وشكلت المسار الواضح لسير القصة وأحداثها، حيث أن الفكرة طغت على الشخوص الذين غابوا كأشخاص وبقوا كأفكار , ويبدو ذلك أكثر وضوحاً في ( قصة الأصدقاء المتعاونون) ، فالقصة كلها قائمة على فكرة التعاون الذي هو الحل الأمثل للوصول الى حياة سعيدة كلها صحة ورفاهية واطمئنان ففكرتها محاولة الحيوانات: الأرانب ، اللقالق البيضاء , الطيور الثلاثة , العصفور , الحمامة , البجعة , للتخلص من الثلوج المتساقطة ، لكن كل واحد منهم لم يتمكن من بناء بيته الذي سرعان ما ينهار، لكن حكمة الببغاء قادتهم إلى التعاون جميعاً في بناء بيت يضمهم جميعاً بعد ان شاهد في مكان بعيدُ تعاون الناس في بناء بيت لهم، وفعلاً تعاونوا بكل جد وإخلاص لبناء بيت وفعلا تم لهم ما أرادوا وبنوا بيتاً لهم حماهم من ثلج الشتاء وأمطاره وبرودته، وهذا واضح في القصة التي ركزت على التعاون وصولاً للحياة مع إلقاء قليل من الاهتمام على الشخصيات التي بقناعتها بالفكرة تمكنت من تحقيق غايتها والحفاظ على وجودها وشخصيتها، وهذا يبدو أكثر وضوحاً في (قصة الفار والقط الرمادي) , فهي قصة الفكرة التي تمثل جوهرها وما شخصية الفار والقط والكلب إلا دوائر ملونه تدور حول قصة الفكرة لتوضيح الفكرة وتعطيها معناها العميق وفكرتها تقوم على توضيح حقيقة أزلية وهي أن الفأرة تهرب من القطة التي تطاردها والقطة تهرب من الكلب الذي يطاردها ، القط يطارد الفارة ولكن لا تمسكها ، والكلب يطارد القط ولكن لا يمسكه ، فنهاية القصة تؤكد على بقاء ((الكلب يركض وراء القطة ، والقط يركض وراء الفأر ولكن لا أحد يمسك بالآخر)).حدث هذا بعد ان عقد الثلاثة اتفاقا فيما بينهم على إن يكونوا أصدقاء أوفياء وان يتركوا الخوف الذي بينهم ، وكان الكلب الذي هو جزء من الفكرة سيكون شاهدا على فكرة الاتفاق وان من يخرق الاتفاق بتسليمه الى مللك الغابة حيث أردت أن أقول من خلال القصة بشكل مشوق للأطفال بان (الطبع يغلب على التطبع) وان خوف الفأرة من القط وخوف القط من الكلب حقيقة أزلية وفكرة باقية للأبد ربما تسعد الأطفال وربما تجلب لهم المتعة والشدّ وإجمال والمخيلة ومثله صراع (توم وجيري ) هو الأخر يؤكد هذه الحقيقة الأزلية والتي من معالمها أن لا احد ينتصر، فقط فكرة وحركة وأشخاص يعملون على أداء تلك الفكرة وتوضيح تلك الحركة والنتيجة هي , وهي باقية مثلما كانت منذ الأزل.
- قصة الأنواع مجتمعة / ولما كان أدب الأطفال قصة ، رواية ، مسرحية موجها لهم فان الكاتب في كثير من الأحيان يقوده النص إلى مسارات ربما هو لا يفكر بها فيجد نفسه في مكان ربما لم يفكر به ولا يفكر حتى الوقوف فيه ، حينما تطغى الشخصية على الحادث فتحولها من قصة حادثه إلى قصه شخصية وحينما تطغى الفكرة على الشخصية فتحولها من قصه شخصية الى قصة فكرة وأحيانا تطغى الحادثة على الفكرة فتحولها من قصة فكرة إلى قصة حادثة ، هذا الخلط بين الأنواع يتداخل ويتمازج وأحيانا ولا يمكننا التفريق أبدا بين هذه الأنواع الثلاثة ، وتارة ينمو هذا النوع وتارة أخرى ينمو النوع الآخر وأحيانا وجدت نفسي اكتب الأنواع الثلاثة وهذا يبدو في الأعمال الروائية بكل وضوح ، لان الرواية الموجهة للطفل الناشئ تكون مليئة بالأحداث وكثيرة الشخصيات ولها فكرة عميقة ، حيث ظهر ذلك واضحا وجليا في رواياتي: (ملكة الشمس) و(منقذ اليعربي) و(الخاتم) و(الليرات العشر) و(السيف) و(الحصار) ولا أريد التعمق في بنية هذه الروايات وكيف أنها جمعت بين (الحادثة) و(الشخصية) و( الفكرة ) في بوتقة واحدة وربما الجمع بين هذه الخصائص الثلاث هي التي أدَّت إلى ظهور جنس أدبي رابع فيه جماليات وإبداع وروعة الأجناس الثلاثة وتقبلها من المتلقي واهتمامه بها دليل على نجاحها وقربها من روحه وأفكاره وما يطمح بالتعرف عليه من أفكار وقيم مستجدة .
[1] أدب الأطفال / عبد الفتاح أبو معال، ط2، 1988، دار الشروق لنشر والتوزيع.
[2] مجموعة الحصان الأبيض، جاسم محمد صالح، ص10-13، ط1، بغداد 2014، العربية لمطبوعات الأطفال.
[3] نفس الصدر السابق، ص 15- 17.
[4] مجموعة الحصان الأبيض، جاسم محمد صالح، ص24-27،ط1، بغداد، 2014، العربية المطبوعات الأطفال.
[5] مجموعة الشجرة الطيبة، جاسم محمد صالح، ص6- 11، ط1، بغداد، 2014 ، العربية لمطبوعات الأطفال.
[6] مجموعة الريشة الملونة، جاسم محمد صالح، ص12-، ط1،بغداد 2013 ، العربية لمطبوعات الأطفال.
مقالات أخرى للكاتب
لا توجد مقالات أخرى لهذا الكاتب.
ما نکتبه للاطفال
إن القصص التي نكتبها للأطفال من حيث الحبكة الفنية قُسمت إلى ثلاثة أنواع هي :
- قصة الحادثة (القصة السردية) / تركز على الحدث وعنصر الحركة ولا تركز على اسم الشخوص.
- قصة الشخصية / تركز على الشخصية
- قصة الفكرة / تركز على الفكرة وبعدها الشخصيات([1])
إن اختيار نوع القصة التي يكتبها الكاتب ليس بالأمر الهين، ففكرة القصة هي التي توجه الكاتب نحو تحديد نوعها وهي التي تسيّر الكاتب نحو النهايات مروراً بالطرق والأساليب والأفكار، ويخطي الكاتب كثيراً إذا فكر مسبقاً في كتابة قصة للأطفال حسب الفرع الذي يرتئيه، لنفهم الآن الأنواع الثلاثة ثم نقرر.
- قصة الحادثة / هي قصة تركز على الحادثة (الواقعة) التي تتمدد في ثنايا القصة، بكل وضوح وعمق لما في ذلك من أهداف مثالية تجذب ألقاريء الصغير إليها باعتبارها أحداثا غير مركزة على الشخوص رسماً وتوضيحاً وتعبيراً، حيث أن الشخوص فيها مكملات ليس إلا، فالتركيز القصصي كله منصب على الحادثة كما هو واضح في قصتي (القطار)([2]) مثلاً , فالقصة تدور حول قطار يمر قرب إحدى القرى وكانت هناك علاقة طيبة بين القطار متمثلاً بـسائقه وبين أطفال القرية، وبعد أن أمطرت السماء مطراً غزيراً هدد سكة القطار وقابلية سقوط القطار اثناء مروره عليها فقد تنبه الأطفال لذلك وقرروا أن ينقذوا القطار بإبعاد المياه عن السكة والعمل والتعاون وفعلاً كان لهم ما أرادوا وشكر سائق القطار أصدقاءه ووزع عليهم الحلوى واستمر في رحلته وعاد الأطفال إلى القرية فرحين وهم يقلدون صوت القطار .
فالحادثة في (قصة القطار) واضحة ومهيمنة على حدث القصة ، وما الأطفال والسائق وأبناء القرية إلاّ أدوات تسير في خدمة الحادثة الكبيرة ألا وهي تعرض القطار للخطر وانقلابه والسعي الحثيث لإنقاذه من هذا الانقلاب ، فليس هناك اسم الطفل أو أحد أبناء القرية فهم لم يدخلوا القصة كفاعلين بشكل شخصي بل دخلوا باسم جمعي حتى سائق القطار، فأنه أيضاً كان جزءاً من هذا التوجه الذي يعمل على حماية القطار مع التركيز على فعل الأحداث وحركتها وبيانها دون الأشخاص، ونجد قصة الحدث واضحة كل الوضوح في قصة (الشاحنة الكبيرة) ([3]) حيث تكون الشاحنة هي البطلة لقصة الحادثة والحادثة هي قيامها بنقل حمولتها من غذاء وحليب للأطفال والناس الذين ينتظرونها عند السوق، وإثناء حركتها وربما ضايقت الآخرين في الطريق لكن تلك المضايقة كانت لأجل الأطفال، حيث أن القصة مليئة بالأحداث والحركة وان تلك الأحداث هي محور القصة من دون التوسع أو الإسهاب أو التفصيل بالشخوص، السائق، والآخرون في الطرق، الناس الذين ينتظرون قدومها، حيث كانت (الشاحنة) وما تفعله من أحداث هو الحدث المسيطر على سير القصة (نص القصة ).
- قصة الشخصية / هي القصة التي تكتب للأطفال ويكون التركيز فيها على الشخصية أولا وما الأحداث إلا لوضع الأطر والسمات على تلك الشخصية، حيث ينصب جهد الكاتب في هذا النوع من القصص على رسم ملامح شخصية القصة والتي تكون محوراً للقصة وتوضيح كل ما تريده أو تفكر به وما الأشخاص الآخرون الذين يدخلون في (قصة الشخصية) فهم شخوص مكملة أو مساعدة لهذه الشخصية ووضوحها لدى المتلقي، ولكي تكون (قصة الشخصية) ناجحة لا بد أن تكون الشخصية على مستوى البناء القصصي من حيث الإقناع والوضوح والرؤية، قوية غير ضعيفة ، صادقة غير مترددة ، مقنعه غير باهته، ايجابية غير سلبية , ذات غيره واضحة وغير هلامية القصد، نستقي منها دروسا وعبرا مستقاة من نهاية القصة وما وصلت إليه في تفكيرها سواء أكان ناجحا أو فاشلاً، فالنجاح يجعل المتلقي يتمسك بسلوكها الناجح والفشل يجعله مبتعداً عن ذلك السلوك وهذا ما ظهر واضحاً في قصة (الديك الملون) حيث تكون شخصية الديك هي الشخصية المحورية وكل الأحداث تدور حوله وهو الذي يقوم بالأحداث تحقيقاً لفكرته ، فهو الذي يذهب إلى مدرسة الغابة وهو الذي يستغرب من الأرض المبتلة وهو الذي يسألها وهو الذي يفكر وهو الذي يواصل سيره وهو الذي عرف ان تلك السنابل هي تلك الحبوب التي نثرها وغطاها بالتراب وأخيراً هو الذي فرح كثيراً .
في هذه القصة وغيرها الكثير من قصص التي تهتم بالشخصية وما تطرحه من أفعال وأحداث تشد المتلقي إليها وتجعله قريباً من الكاتب ولما فيها من أمور مقنعة تنقل الطفل الى عالم الخيال باسلوب تربوي نسعى كلنا لإيصاله إليه.
- قصة الفكرة / هي تلك القصة التي تبدو فيها الفكرة واضحة، وتتوضح هذه الفكرة من خلال توضيح حركة الأشخاص ومسيرتهم، وهناك ثلاث قصص تدل بوضوح على قصة الفكرة في قصصي للأطفال وهي (قصة الفرح الأخضر) ([4]) و(قصة الأصدقاء المتعاونون) ([5]) و(قصة الفار والقط الرمادي) ([6]) ، ففكرة (قصة الفرح الأخضر) أن (سمار) طالبة تحب الرسم وحينما أمسكت علبة الألوان لترسم صورة تأوهت الأقلام بين يديها لأنها لا تريد أن تضيع ألوانها على الورقة، إلا القلم ذو اللون الأخضر فقد فرح كثيراً حينما بدأت (سمار) ترسم به وكان سعيداً جداً بذلك وفي المرة الثانية حينما فتحت (سمار) علبة الألوان لترسم شيئاً جميلاً تعلقت كل الأقلام بأصابعها، كل قلم يريد منها أن ترسم به بعد ما عرفت سعادة القلم الأخضر وهي ترسم به ، وحدث صراع وتزاحم بين الجميع وأخيرا اهتدت (سمار) إلى طريقة ترضي بها الجميع فأمسكت كل الأقلام وبدأت ترسم بها جميعاً.
فالفكرة هنا واضحة وشكلت المسار الواضح لسير القصة وأحداثها، حيث أن الفكرة طغت على الشخوص الذين غابوا كأشخاص وبقوا كأفكار , ويبدو ذلك أكثر وضوحاً في ( قصة الأصدقاء المتعاونون) ، فالقصة كلها قائمة على فكرة التعاون الذي هو الحل الأمثل للوصول الى حياة سعيدة كلها صحة ورفاهية واطمئنان ففكرتها محاولة الحيوانات: الأرانب ، اللقالق البيضاء , الطيور الثلاثة , العصفور , الحمامة , البجعة , للتخلص من الثلوج المتساقطة ، لكن كل واحد منهم لم يتمكن من بناء بيته الذي سرعان ما ينهار، لكن حكمة الببغاء قادتهم إلى التعاون جميعاً في بناء بيت يضمهم جميعاً بعد ان شاهد في مكان بعيدُ تعاون الناس في بناء بيت لهم، وفعلاً تعاونوا بكل جد وإخلاص لبناء بيت وفعلا تم لهم ما أرادوا وبنوا بيتاً لهم حماهم من ثلج الشتاء وأمطاره وبرودته، وهذا واضح في القصة التي ركزت على التعاون وصولاً للحياة مع إلقاء قليل من الاهتمام على الشخصيات التي بقناعتها بالفكرة تمكنت من تحقيق غايتها والحفاظ على وجودها وشخصيتها، وهذا يبدو أكثر وضوحاً في (قصة الفار والقط الرمادي) , فهي قصة الفكرة التي تمثل جوهرها وما شخصية الفار والقط والكلب إلا دوائر ملونه تدور حول قصة الفكرة لتوضيح الفكرة وتعطيها معناها العميق وفكرتها تقوم على توضيح حقيقة أزلية وهي أن الفأرة تهرب من القطة التي تطاردها والقطة تهرب من الكلب الذي يطاردها ، القط يطارد الفارة ولكن لا تمسكها ، والكلب يطارد القط ولكن لا يمسكه ، فنهاية القصة تؤكد على بقاء ((الكلب يركض وراء القطة ، والقط يركض وراء الفأر ولكن لا أحد يمسك بالآخر)).حدث هذا بعد ان عقد الثلاثة اتفاقا فيما بينهم على إن يكونوا أصدقاء أوفياء وان يتركوا الخوف الذي بينهم ، وكان الكلب الذي هو جزء من الفكرة سيكون شاهدا على فكرة الاتفاق وان من يخرق الاتفاق بتسليمه الى مللك الغابة حيث أردت أن أقول من خلال القصة بشكل مشوق للأطفال بان (الطبع يغلب على التطبع) وان خوف الفأرة من القط وخوف القط من الكلب حقيقة أزلية وفكرة باقية للأبد ربما تسعد الأطفال وربما تجلب لهم المتعة والشدّ وإجمال والمخيلة ومثله صراع (توم وجيري ) هو الأخر يؤكد هذه الحقيقة الأزلية والتي من معالمها أن لا احد ينتصر، فقط فكرة وحركة وأشخاص يعملون على أداء تلك الفكرة وتوضيح تلك الحركة والنتيجة هي , وهي باقية مثلما كانت منذ الأزل.
- قصة الأنواع مجتمعة / ولما كان أدب الأطفال قصة ، رواية ، مسرحية موجها لهم فان الكاتب في كثير من الأحيان يقوده النص إلى مسارات ربما هو لا يفكر بها فيجد نفسه في مكان ربما لم يفكر به ولا يفكر حتى الوقوف فيه ، حينما تطغى الشخصية على الحادث فتحولها من قصة حادثه إلى قصه شخصية وحينما تطغى الفكرة على الشخصية فتحولها من قصه شخصية الى قصة فكرة وأحيانا تطغى الحادثة على الفكرة فتحولها من قصة فكرة إلى قصة حادثة ، هذا الخلط بين الأنواع يتداخل ويتمازج وأحيانا ولا يمكننا التفريق أبدا بين هذه الأنواع الثلاثة ، وتارة ينمو هذا النوع وتارة أخرى ينمو النوع الآخر وأحيانا وجدت نفسي اكتب الأنواع الثلاثة وهذا يبدو في الأعمال الروائية بكل وضوح ، لان الرواية الموجهة للطفل الناشئ تكون مليئة بالأحداث وكثيرة الشخصيات ولها فكرة عميقة ، حيث ظهر ذلك واضحا وجليا في رواياتي: (ملكة الشمس) و(منقذ اليعربي) و(الخاتم) و(الليرات العشر) و(السيف) و(الحصار) ولا أريد التعمق في بنية هذه الروايات وكيف أنها جمعت بين (الحادثة) و(الشخصية) و( الفكرة ) في بوتقة واحدة وربما الجمع بين هذه الخصائص الثلاث هي التي أدَّت إلى ظهور جنس أدبي رابع فيه جماليات وإبداع وروعة الأجناس الثلاثة وتقبلها من المتلقي واهتمامه بها دليل على نجاحها وقربها من روحه وأفكاره وما يطمح بالتعرف عليه من أفكار وقيم مستجدة .
[1] أدب الأطفال / عبد الفتاح أبو معال، ط2، 1988، دار الشروق لنشر والتوزيع.
[2] مجموعة الحصان الأبيض، جاسم محمد صالح، ص10-13، ط1، بغداد 2014، العربية لمطبوعات الأطفال.
[3] نفس الصدر السابق، ص 15- 17.
[4] مجموعة الحصان الأبيض، جاسم محمد صالح، ص24-27،ط1، بغداد، 2014، العربية المطبوعات الأطفال.
[5] مجموعة الشجرة الطيبة، جاسم محمد صالح، ص6- 11، ط1، بغداد، 2014 ، العربية لمطبوعات الأطفال.
[6] مجموعة الريشة الملونة، جاسم محمد صالح، ص12-، ط1،بغداد 2013 ، العربية لمطبوعات الأطفال.
التعليقات