نهاية خالية من الوقت…! “نص مسرحي”

صورة الكاتب
بقلم: شوقي كريم حسن
التاريخ: 16 نوفمبر 2025 عدد المشاهدات: 2434
نهاية خالية من الوقت…! “نص مسرحي”
“كلما ازداد الزيف جمالًا، ازداد الواقع قبحًا” { جان جنيه}
شخوص التجسيد:— 1. الحرية – بلباس ممزق، فاقدة الصوت، تتكلم بلغة الإشارات حتى الثلث الأخير.
2. الضمير – أعرج، يتحدث لغة موزونة فيها قافية وسخرية مرة.
3. الحقيقة – تتحدث دوماً بصيغ النفي، وكأنها لا تجرؤ على الجزم.
4. الوطن – كهل متسول، ينسى اسمه أحيانًا.
5. المستقبل – طفل له ملامح رجال، يتكلم بسرعة، يضحك كمن يبكي.
6. مدير المزاد – شخصية هجينة، بلا ملامح واضحة، تتحدث بكل اللغات واللهجات، وتغيّر نبرتها حسب من يخاطب
الرؤيا الأولى ——————— ضجيج لا يُشترى! ! (مكان التجسيد) خشبة عارية إلا من مقاعد خشبية قديمة موزعة بشكل عشوائي. إضاءة باهتة تتحرك كأنها تبحث عن شيء ضائع.صوت المطارق يتكرّر. أصوات بعيدة لجمهور غير مرئي تضحك، تصفق، تحتج، تهمس.،،دخول مدير المزاد، بثوب نصف رسمي، ونصفه الآخر رثّ. يمسك مطرقة، يتحدث بنبرة استعراضية هجينة بين النكتة والخطبة.) مدير المزاد:أيها السادة… (يصمت قليلاً وكأنه يصغي لأحد)السيدات أيضاً؟ عذرًا… منذ زمن لم أسمع صوتًا أنثويًا هنا…مرحبًا بكم في الليلة الأخيرة…حيث لا مزيد من الأوهام، ….نبيع لكم ما تبقى من مفاهيم، من أنفاس، من آهات،..والبائع؟ البائع لا يهم،فكل من هنا، مرّة، باع نفسه دون أن يعلم.!! (تسلّط الإضاءة على الكراسي. يظهر أشخاص بملابس متناقضة: ، عسكري، فقير، بدوي، طفل، امرأة مكسورة. هؤلاء هم: الضمير، الحرية، الحقيقة، الوطن، المستقبل.) مدير المزاد:لنبدأ بالمُنتج الأكثر طلبًا… الأقل استعمالًا…(يقرع بالمطرقة) “الضمير”!من يزايد؟ من يشتري؟ من يزعم أنه ما زال يمتلك شيئًا منه؟ (يضحك فجأة، يغمز للجمهور) لا تخافوا… لدينا نسخة قديمة، أصلية. تفضّل يا “ضمير”، المنصة لك. (يتقدم الضمير: رجل ستيني أعرج، يرتدي نصف بدلة رسمية، ونصف ثوب مزارع. يتكئ على عصا بها مسامير. يتحدث بصوت ساخر، .) الضمير:أنا الضميرُ… وكان لي اسمٌ، ايام زمانْ..مركونٌ في حنايا العُلبِ، في إعلانْ“إذا لم ينفعك… فلا يضرّك” قالوا،وقطّعوني بين برلماناتٍ وصالاتِ انتظارِ الحكمةِ المُعتقلةِ في سجون المنطقْ..!! (يمشي قليلاً محدّقاً بالحضور) أيها المشترون،هل تظنون أن الضميرَ يُعلَّق على صدرِ القوانين؟ أم يُخاط كوسامٍ على صدرِ الطغاة؟ أنا الصدأ في مفاتيحِ الحقيقة، الوصمةُ في جبينِ مَنْ لا يخجلون… (يضحك بصوت مختنق) لا بأس… خذوني، علّني أكون مرآةً على الجدار،تنظرون فيها كل صباح… ثم تنسوني…!! مدير المزاد (مقاطعًا):رائع! رائع! شاعرنا القديم أبدع…المزايدة تبدأ من كلمة.كلمة واحدة فقط..من يشتري ضميرًا بكلمة؟ (صمت. ثم تبدأ أصوات الجمهور: “وهم!”، “عار!”، “دولار!”، “خيانة!”…) (الحرية تضحك بصوت مكتوم) مدير المزاد:اسكتي! وقتك لم يحن بعد. (الحرية تشير بيديها بحركات غير مفهومة. تتقدّم قليلاً ثم تتراجع. صوت قيود وهمية يُسمع كلما تحركت.) مدير المزاد: لاحقًا… لاحقًا يا عزيزتي، سيأتي دورك. أما الآن… (يسلط الضوء على “الوطن” الجالس أرضًا، ينظر حوله كأنه في حلم. رجل مسن، أشعث، ببذلة قديمة تعود للخمسينيات. يتمتم بكلمات غير مفهومة. يلعق أصبعه كأنه يبحث عن طعم قديم.) مدير المزاد (بهدوء مفاجئ):هذا… هذا ما تبقّى من الوطن…!! (صمت تام. الوطن يحاول الوقوف، لكنه يسقط على ركبتيه، يضع يده على صدره متحدثاً بصوت متقطع .) الوطن:أنـ… أنـي…أنا… إسم… إسمي… (يصمت)خبز؟… كنت آكل خبز… (ينظر إلى الحرية)أنتِ… من؟ أمّي؟ (الحرية تنظر إليه بحنان، تفتح ذراعيها، لكن لا تتحرك.) الوطن (يضحك ببلاهة):أنا… كنت… بلادْ..كلمة… حكمة… غناء دافيء… اراقب وجوه الاناث بفرح(يغني ببطء) أحبك،،وأحب كلمن يحبك!! (يسقط على الأرض. صمت.ثم تصفيق من الجمهور الوهمي.) مدير المزاد (بهمس):الليلةَ، لا أحدُ يُشترى…لكنّ الكلّ… يُباع. (إظلام.)
الرؤيا الثانية ——————— “كلمات بائسة” مكان التجسيد:— المنصة خالية. إضاءة خافتة على كرسي واحد في المنتصف. كل الشخصيات تجلس عند أطراف المسرح، في شبه عتمة، تراقب بصمت.“المستقبل” يجلس على الكرسي، يرتدي ملابس طفل لكنها مرقّعة بخيوط ذهبية. في يده دفتر رسم ممزق. يعضّ القلم دون أن يكتب…صوت خافت، يخرج من داخله، صوت طفل ورجل معًا): المستقبل:أنا…صندوق البريد الذي لا يفتحه أحد..الجواب الذي يُكتب قبل السؤال.. الطفل الذي قالوا له: “ستكبر وتفهم”،فكبر… ولم يفهم..!! (يرفع رأسه نحو الجمهور) هل تعرفون كيف يبدو الغد حين يُصاغ بلغة القتلة؟ يشبهني ..يرتدي بدلة العيد ويحمل داخله مقبرةً دونم شواهد..
(ينهض من الكرسي ليمشي في دائرة) قالوا لي: ارسم أحلامك..رسمت بابًا قالوا: افتحه..وجدت خلفه نفس الغرفة..نفس الأب.نفس الأخبار نفس الوطن… يتلعثم!! (صوت الوطن في الخلفية يهمهم: “أنا؟… مَدرسة؟… فَرَح؟” المستقبل:رأيتموه؟ ذاك الوطن الذي نرثه كما نرث الأمراض الوراثية،،نخاف فْتَح فمه، فيخرج لنا التاريخ ..لا الكلمات (صوت المدير يتدخل، بنغمة مرحة مصطنعة) مدير المزاد:جميلٌ هذا الطفل، جميل…من يزايد على المستقبل؟ انظروا إليه، ما زال غضًّا، قابلًا للقولبة من يشتريه؟ من يعيد برمجته؟ إنه يتحدث كثيرًا، نعم…لكن بالصبر… يتحول إلى آلة صراف! (يضحك. “المستقبل” يصرخ فجأة) المستقبل (بحدة):كذبتم! أنا لا أُشترى…أنا لا أتقن الطاعة! (صوت ضحك ، تصفيق ) مدير المزاد (بغضب):إلى الخلف! كلكم تظنون أنفسكم أعلى من السوق؟ (يصفّق مرتين، تعتيم تدريجي يتحرك الضوء إلى “الحقيقة”، تجلس على كرسي قديم، تضع يدها على عينيها. تتحدث بهدوء.) الحقيقة:أنا الحقيقة…التي لم تُقل كاملةً أبدًا كنتُ مؤنثةً في اللغة وضعيفةً في التداول جميلةً في القصائد.قبيحةً في الواقع (تضحك باستهزاء) هل عرفتموني..أنا التي دفنوها تحت niالعناوين واسموني: “مصدر موثوق” (تقف ببطء، تنظر نحو الجمهور وكأنها تشك بوجودهم)أخبروني… هل يصدّقني أحد..أنا التي قال عنها الجميع: “نصفها أفضل من كلها” (صمت)أنا…أعرف عنكم أكثر مما تعرفون

عن الکاتب / الکاتبة

شوقي كريم حسن
شوقي كريم حسن
ناقد . روائي . مسرحي / العراق

مقالات أخرى للكاتب

لا توجد مقالات أخرى لهذا الكاتب.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


نهاية خالية من الوقت…! “نص مسرحي”

بقلم: شوقي كريم حسن | التاريخ: 16 نوفمبر 2025

التصنيف: قصة قصيرة

“كلما ازداد الزيف جمالًا، ازداد الواقع قبحًا” { جان جنيه}
شخوص التجسيد:— 1. الحرية – بلباس ممزق، فاقدة الصوت، تتكلم بلغة الإشارات حتى الثلث الأخير.
2. الضمير – أعرج، يتحدث لغة موزونة فيها قافية وسخرية مرة.
3. الحقيقة – تتحدث دوماً بصيغ النفي، وكأنها لا تجرؤ على الجزم.
4. الوطن – كهل متسول، ينسى اسمه أحيانًا.
5. المستقبل – طفل له ملامح رجال، يتكلم بسرعة، يضحك كمن يبكي.
6. مدير المزاد – شخصية هجينة، بلا ملامح واضحة، تتحدث بكل اللغات واللهجات، وتغيّر نبرتها حسب من يخاطب
الرؤيا الأولى ——————— ضجيج لا يُشترى! ! (مكان التجسيد) خشبة عارية إلا من مقاعد خشبية قديمة موزعة بشكل عشوائي. إضاءة باهتة تتحرك كأنها تبحث عن شيء ضائع.صوت المطارق يتكرّر. أصوات بعيدة لجمهور غير مرئي تضحك، تصفق، تحتج، تهمس.،،دخول مدير المزاد، بثوب نصف رسمي، ونصفه الآخر رثّ. يمسك مطرقة، يتحدث بنبرة استعراضية هجينة بين النكتة والخطبة.) مدير المزاد:أيها السادة… (يصمت قليلاً وكأنه يصغي لأحد)السيدات أيضاً؟ عذرًا… منذ زمن لم أسمع صوتًا أنثويًا هنا…مرحبًا بكم في الليلة الأخيرة…حيث لا مزيد من الأوهام، ….نبيع لكم ما تبقى من مفاهيم، من أنفاس، من آهات،..والبائع؟ البائع لا يهم،فكل من هنا، مرّة، باع نفسه دون أن يعلم.!! (تسلّط الإضاءة على الكراسي. يظهر أشخاص بملابس متناقضة: ، عسكري، فقير، بدوي، طفل، امرأة مكسورة. هؤلاء هم: الضمير، الحرية، الحقيقة، الوطن، المستقبل.) مدير المزاد:لنبدأ بالمُنتج الأكثر طلبًا… الأقل استعمالًا…(يقرع بالمطرقة) “الضمير”!من يزايد؟ من يشتري؟ من يزعم أنه ما زال يمتلك شيئًا منه؟ (يضحك فجأة، يغمز للجمهور) لا تخافوا… لدينا نسخة قديمة، أصلية. تفضّل يا “ضمير”، المنصة لك. (يتقدم الضمير: رجل ستيني أعرج، يرتدي نصف بدلة رسمية، ونصف ثوب مزارع. يتكئ على عصا بها مسامير. يتحدث بصوت ساخر، .) الضمير:أنا الضميرُ… وكان لي اسمٌ، ايام زمانْ..مركونٌ في حنايا العُلبِ، في إعلانْ“إذا لم ينفعك… فلا يضرّك” قالوا،وقطّعوني بين برلماناتٍ وصالاتِ انتظارِ الحكمةِ المُعتقلةِ في سجون المنطقْ..!! (يمشي قليلاً محدّقاً بالحضور) أيها المشترون،هل تظنون أن الضميرَ يُعلَّق على صدرِ القوانين؟ أم يُخاط كوسامٍ على صدرِ الطغاة؟ أنا الصدأ في مفاتيحِ الحقيقة، الوصمةُ في جبينِ مَنْ لا يخجلون… (يضحك بصوت مختنق) لا بأس… خذوني، علّني أكون مرآةً على الجدار،تنظرون فيها كل صباح… ثم تنسوني…!! مدير المزاد (مقاطعًا):رائع! رائع! شاعرنا القديم أبدع…المزايدة تبدأ من كلمة.كلمة واحدة فقط..من يشتري ضميرًا بكلمة؟ (صمت. ثم تبدأ أصوات الجمهور: “وهم!”، “عار!”، “دولار!”، “خيانة!”…) (الحرية تضحك بصوت مكتوم) مدير المزاد:اسكتي! وقتك لم يحن بعد. (الحرية تشير بيديها بحركات غير مفهومة. تتقدّم قليلاً ثم تتراجع. صوت قيود وهمية يُسمع كلما تحركت.) مدير المزاد: لاحقًا… لاحقًا يا عزيزتي، سيأتي دورك. أما الآن… (يسلط الضوء على “الوطن” الجالس أرضًا، ينظر حوله كأنه في حلم. رجل مسن، أشعث، ببذلة قديمة تعود للخمسينيات. يتمتم بكلمات غير مفهومة. يلعق أصبعه كأنه يبحث عن طعم قديم.) مدير المزاد (بهدوء مفاجئ):هذا… هذا ما تبقّى من الوطن…!! (صمت تام. الوطن يحاول الوقوف، لكنه يسقط على ركبتيه، يضع يده على صدره متحدثاً بصوت متقطع .) الوطن:أنـ… أنـي…أنا… إسم… إسمي… (يصمت)خبز؟… كنت آكل خبز… (ينظر إلى الحرية)أنتِ… من؟ أمّي؟ (الحرية تنظر إليه بحنان، تفتح ذراعيها، لكن لا تتحرك.) الوطن (يضحك ببلاهة):أنا… كنت… بلادْ..كلمة… حكمة… غناء دافيء… اراقب وجوه الاناث بفرح(يغني ببطء) أحبك،،وأحب كلمن يحبك!! (يسقط على الأرض. صمت.ثم تصفيق من الجمهور الوهمي.) مدير المزاد (بهمس):الليلةَ، لا أحدُ يُشترى…لكنّ الكلّ… يُباع. (إظلام.)
الرؤيا الثانية ——————— “كلمات بائسة” مكان التجسيد:— المنصة خالية. إضاءة خافتة على كرسي واحد في المنتصف. كل الشخصيات تجلس عند أطراف المسرح، في شبه عتمة، تراقب بصمت.“المستقبل” يجلس على الكرسي، يرتدي ملابس طفل لكنها مرقّعة بخيوط ذهبية. في يده دفتر رسم ممزق. يعضّ القلم دون أن يكتب…صوت خافت، يخرج من داخله، صوت طفل ورجل معًا): المستقبل:أنا…صندوق البريد الذي لا يفتحه أحد..الجواب الذي يُكتب قبل السؤال.. الطفل الذي قالوا له: “ستكبر وتفهم”،فكبر… ولم يفهم..!! (يرفع رأسه نحو الجمهور) هل تعرفون كيف يبدو الغد حين يُصاغ بلغة القتلة؟ يشبهني ..يرتدي بدلة العيد ويحمل داخله مقبرةً دونم شواهد..
(ينهض من الكرسي ليمشي في دائرة) قالوا لي: ارسم أحلامك..رسمت بابًا قالوا: افتحه..وجدت خلفه نفس الغرفة..نفس الأب.نفس الأخبار نفس الوطن… يتلعثم!! (صوت الوطن في الخلفية يهمهم: “أنا؟… مَدرسة؟… فَرَح؟” المستقبل:رأيتموه؟ ذاك الوطن الذي نرثه كما نرث الأمراض الوراثية،،نخاف فْتَح فمه، فيخرج لنا التاريخ ..لا الكلمات (صوت المدير يتدخل، بنغمة مرحة مصطنعة) مدير المزاد:جميلٌ هذا الطفل، جميل…من يزايد على المستقبل؟ انظروا إليه، ما زال غضًّا، قابلًا للقولبة من يشتريه؟ من يعيد برمجته؟ إنه يتحدث كثيرًا، نعم…لكن بالصبر… يتحول إلى آلة صراف! (يضحك. “المستقبل” يصرخ فجأة) المستقبل (بحدة):كذبتم! أنا لا أُشترى…أنا لا أتقن الطاعة! (صوت ضحك ، تصفيق ) مدير المزاد (بغضب):إلى الخلف! كلكم تظنون أنفسكم أعلى من السوق؟ (يصفّق مرتين، تعتيم تدريجي يتحرك الضوء إلى “الحقيقة”، تجلس على كرسي قديم، تضع يدها على عينيها. تتحدث بهدوء.) الحقيقة:أنا الحقيقة…التي لم تُقل كاملةً أبدًا كنتُ مؤنثةً في اللغة وضعيفةً في التداول جميلةً في القصائد.قبيحةً في الواقع (تضحك باستهزاء) هل عرفتموني..أنا التي دفنوها تحت niالعناوين واسموني: “مصدر موثوق” (تقف ببطء، تنظر نحو الجمهور وكأنها تشك بوجودهم)أخبروني… هل يصدّقني أحد..أنا التي قال عنها الجميع: “نصفها أفضل من كلها” (صمت)أنا…أعرف عنكم أكثر مما تعرفون