“الهروب”

صورة الكاتب
بقلم: زکي العلي
التاريخ: 18 نوفمبر 2025 عدد المشاهدات: 655
“الهروب”

غَادَرْتَ تَجْتَرُّ الْمُوَاجِعَ هَارِبًا

وَتَرَكْتَ فِي الْمِرْآةِ وَجْهًا شَاحِبا

 

لِصَبِيَّةٍ مازلتَ تَذْكُرُ وَجْهَهَا

أَوْرَثْتَهَا شَجَنًا وَحُزْنًا صَاخِبا

 

نَادَتْكَ فِي الْحَشْرِ الْكَبِيرِ وَلَمْ تُجِبْ

حَضَرَ الْجَمِيعُ وَكُنْتَ وَحْدَكَ غَائِبا

 

أَنَا بِانْتِظَارِكَ عند آخر ساحل

شهد انفعالك مُذْ ذَهَبْتَ مُغَاضِبا

 

هَذِي قَصَائِدُكَ الْأَخِيرَةُ فِي فَمِي

مُدَنًا غَدَوْنَ مَعَ الْغِيَابِ خَرَائِبَا

 

هَذَا نَشِيدُكَ مُذْ غَفَوْتَ عَلَى يَدِي

مِلْحًا بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ ذَائِبا

 

غَادَرْتَ يَصحبك النَّهَارُ إِلَى الرُّؤَى

صُلِبَ النَّهَارِ وَعَادَ ظِلُّكَ خَائِبا

 

هَا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا تُمَسُّ وَلَا تُرَى

طَيْفٌ لِجِنِّيٍّ تَقَمَّصَ رَاهِبا

 

لَمْ تَتَّخِذْ وَلَدًا سِوَاكَ وَلَمْ تَكُنْ

إِلَّا لِنَفْسِكَ مِثْلَ رَبِّكَ صَاحِبا

 

صَدَّقْتَ أَنَّ النَّهْرَ كَانَ مَفَازَةً

فَعَبَرْتَ مَغْضُوبًا عَلَيْك وَغَاضِبا

 

وَوشَتْ لَكَ الْأَحْجَارُ حكمة صمتها

فَرَأَيْتَ أَحْجَارَ الطَّرِيقِ كَوَاكِبا

 

وَبِأَنَّ ثَمَّةَ عُشْبَةً بِمُغَارَةٍ

تهب الْخُلُودَ فَجِئْتَ تَرْكُضُ طَالِبا

 

شائتك آلِهَةُ الْجَمَالِ لِنَفْسِهَا

فَلِمَ انْتَفَضْتَ عَلَى الْمَلَاحَةِ غَاضِبا

 

لِمَ تَنْحَرُ الشَّمْسَ الْمُضِيئَةَ بَعْدَمَا

جَدَلَتْ عَلَيْكَ مِنَ الضِّيَاءِ ذَوَائِبا

 

ظلت مُدَاكَ الْمُرْهَفَاتُ بِخَصْرِهَا

وَدَمُ الضِّيَاءِ عَلَى قَمِيصِكَ شَاخِبا

 

يَا أَيُّهَا الطِّفْلُ الْكَبِيرُ إِلَى مَتَى

تَلْهُو بِأَبْيَاتِ الْقَصِيدَةِ لَاعِبا

 

آمَنْتَ بِالضَّلِّيلِ ثُمَّ خَذَلْتَهُ

جَهْرًا وَعُدْتَ إِلَى الْحَدَاثَةِ تَائِبا

 

أَنْتَ ابْنُ أَهْلِكَ وَارْتِدَادُ نَشِيجِهِمْ

نَحَتَتْ أَكُفُّهُمُ النَّسِيمَ قَوَارِبَا

 

البَالِعُونَ عَلَى المُرَارَةِ رِيقَهُمْ

الآكِلُونَ عَلَى العَشَاءِ نَوَائِبا

 

العَابِقُونَ مِنَ الصَّرَائِفِ حَرْمَلَا

وَمِنَ الدِّلالِ عَلَى الرِّفَاقِ أَطَايبا

 

عَكَّرْتَ صَفْوَكَ مُذْ هَجَرْتَ طُلُولَهم

وَبَصَقْتَ فِي الْمَاءِ الْقَرَاحِ شَوَائِبا

 

هُمْ أَدْخَلُوكَ إِلَى مَتَاهَةِ شِعْرِهِمْ

فَعَلَامَ غَادَرْتَ الْمَتَاهَةَ وَاثِبا

 

هُمْ قَوَّمُوكَ عَلَى انْحِنَاءِ ضُلُوعِهِمْ

فَنَزَوْتَ فِي التَّرْتِيبِ ضِلْعًا سَائِبا

 

لَنْ تَتْرُكَ الْحِيتَانُ فُلكًا جَارِيًا

مَا دَامَ يُونُسُ فِي السَّفِينَةِ رَاكِبا

 

لَا ضَوْءَ وَالْقَمَرُ الْعَلِيلُ مُلَبَّدٌ

نسج الظَّلَامِ عَلَى الضِّيَاءِ غَيَاهِبا

 

دَفَنُوكَ وَحْدَكَ فِي الرِّمَالِ وَغَادَرُوا

فَخَرَجْتَ مِنْ تَحْتِ الرِّمَالِ كَتَائِبا

 

وَتَوَهَّمُوكَ عَلَى الْقَصِيدَةِ طَارِئًا

فَنَسَجْتَ مِنْ نَوْلِ الْخَيَالِ عَجَائِبا

 

فِي لَعِبَةِ الْأَرْقَامِ جَذْرُكَ ثَابِتٌ

حَتَّى وَإِنْ عَدُّوكَ رقماً سَالِبا

 

أَنْتَ ابْنُ طَقْسِكَ يَا رَبِيعُ فَلَا تَهِنْ

مَا ضَرَّ لَوْ نَعَتُوكَ صَيْفًا لَاهِبا

 

إِنِّي أُعِيذُكَ أَنْ تَكُونَ صدىً لهم

يَا أَيُّهَا الْوَلَدُ الْجُنُوبُ وَصَاحِبا

 

لَهُمُ الْمَقَاهِي الْمُشْرَعَاتُ عَلَى السَّدَى

وَلَكَ الْمَشَاحِيفُ الخفافُ نَجَائِبا

 

لوّح لتنهمر الغمامةُ يا ابن من

مَلَأَ الْفُرَاتَ ثيابهُنَّ طَحَالِبا

 

الوَاشِمَاتُ عَلَى الخُدودِ أَهِلَّةً

الطَّاوِيَاتُ عَلَى الرُّؤُوسِ عَصَائِبَا

 

الْبَادِئَاتُ صباحهُنَّ بِبَسْمَةٍ

وَعَلَى الْمَهُودِ إِذَا هَجَعْنَ نَوَادِبَا

 

فَتَلَ السَّمُومُ قِوَامَهُنَّ ورَصّعتْ

شَمْسُ النَّهَارِ جِبَاهَهُنَّ ثَوَاقِبَا

 

لَوِّحْ لِتَخْتَفيَ الْمَدِينَةُ وَاقْتَرِحْ

مَرْجًا عَلَيْهِ الْمَعْصِرَاتُ سَوَاكِبَا

 

وَارْسُمْ عَلَيْهِ مَعَ الْغُرُوبِ أَيَائِلَا

تَحْتَ الْعَرَائِشِ وَالْكُرُومِ لَوَاعِبَا

 

وَأَنَا وَأَنْتَ مُمَدَّدَانِ وَفِي السَّمَا

طَيْرًا مِنَ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ آيِبًا

عن الکاتب / الکاتبة

زکي العلي
زکي العلي
شاعر / العراق

مقالات أخرى للكاتب

لا توجد مقالات أخرى لهذا الكاتب.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


“الهروب”

بقلم: زکي العلي | التاريخ: 18 نوفمبر 2025

التصنيف: الشعر

غَادَرْتَ تَجْتَرُّ الْمُوَاجِعَ هَارِبًا

وَتَرَكْتَ فِي الْمِرْآةِ وَجْهًا شَاحِبا

 

لِصَبِيَّةٍ مازلتَ تَذْكُرُ وَجْهَهَا

أَوْرَثْتَهَا شَجَنًا وَحُزْنًا صَاخِبا

 

نَادَتْكَ فِي الْحَشْرِ الْكَبِيرِ وَلَمْ تُجِبْ

حَضَرَ الْجَمِيعُ وَكُنْتَ وَحْدَكَ غَائِبا

 

أَنَا بِانْتِظَارِكَ عند آخر ساحل

شهد انفعالك مُذْ ذَهَبْتَ مُغَاضِبا

 

هَذِي قَصَائِدُكَ الْأَخِيرَةُ فِي فَمِي

مُدَنًا غَدَوْنَ مَعَ الْغِيَابِ خَرَائِبَا

 

هَذَا نَشِيدُكَ مُذْ غَفَوْتَ عَلَى يَدِي

مِلْحًا بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ ذَائِبا

 

غَادَرْتَ يَصحبك النَّهَارُ إِلَى الرُّؤَى

صُلِبَ النَّهَارِ وَعَادَ ظِلُّكَ خَائِبا

 

هَا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا تُمَسُّ وَلَا تُرَى

طَيْفٌ لِجِنِّيٍّ تَقَمَّصَ رَاهِبا

 

لَمْ تَتَّخِذْ وَلَدًا سِوَاكَ وَلَمْ تَكُنْ

إِلَّا لِنَفْسِكَ مِثْلَ رَبِّكَ صَاحِبا

 

صَدَّقْتَ أَنَّ النَّهْرَ كَانَ مَفَازَةً

فَعَبَرْتَ مَغْضُوبًا عَلَيْك وَغَاضِبا

 

وَوشَتْ لَكَ الْأَحْجَارُ حكمة صمتها

فَرَأَيْتَ أَحْجَارَ الطَّرِيقِ كَوَاكِبا

 

وَبِأَنَّ ثَمَّةَ عُشْبَةً بِمُغَارَةٍ

تهب الْخُلُودَ فَجِئْتَ تَرْكُضُ طَالِبا

 

شائتك آلِهَةُ الْجَمَالِ لِنَفْسِهَا

فَلِمَ انْتَفَضْتَ عَلَى الْمَلَاحَةِ غَاضِبا

 

لِمَ تَنْحَرُ الشَّمْسَ الْمُضِيئَةَ بَعْدَمَا

جَدَلَتْ عَلَيْكَ مِنَ الضِّيَاءِ ذَوَائِبا

 

ظلت مُدَاكَ الْمُرْهَفَاتُ بِخَصْرِهَا

وَدَمُ الضِّيَاءِ عَلَى قَمِيصِكَ شَاخِبا

 

يَا أَيُّهَا الطِّفْلُ الْكَبِيرُ إِلَى مَتَى

تَلْهُو بِأَبْيَاتِ الْقَصِيدَةِ لَاعِبا

 

آمَنْتَ بِالضَّلِّيلِ ثُمَّ خَذَلْتَهُ

جَهْرًا وَعُدْتَ إِلَى الْحَدَاثَةِ تَائِبا

 

أَنْتَ ابْنُ أَهْلِكَ وَارْتِدَادُ نَشِيجِهِمْ

نَحَتَتْ أَكُفُّهُمُ النَّسِيمَ قَوَارِبَا

 

البَالِعُونَ عَلَى المُرَارَةِ رِيقَهُمْ

الآكِلُونَ عَلَى العَشَاءِ نَوَائِبا

 

العَابِقُونَ مِنَ الصَّرَائِفِ حَرْمَلَا

وَمِنَ الدِّلالِ عَلَى الرِّفَاقِ أَطَايبا

 

عَكَّرْتَ صَفْوَكَ مُذْ هَجَرْتَ طُلُولَهم

وَبَصَقْتَ فِي الْمَاءِ الْقَرَاحِ شَوَائِبا

 

هُمْ أَدْخَلُوكَ إِلَى مَتَاهَةِ شِعْرِهِمْ

فَعَلَامَ غَادَرْتَ الْمَتَاهَةَ وَاثِبا

 

هُمْ قَوَّمُوكَ عَلَى انْحِنَاءِ ضُلُوعِهِمْ

فَنَزَوْتَ فِي التَّرْتِيبِ ضِلْعًا سَائِبا

 

لَنْ تَتْرُكَ الْحِيتَانُ فُلكًا جَارِيًا

مَا دَامَ يُونُسُ فِي السَّفِينَةِ رَاكِبا

 

لَا ضَوْءَ وَالْقَمَرُ الْعَلِيلُ مُلَبَّدٌ

نسج الظَّلَامِ عَلَى الضِّيَاءِ غَيَاهِبا

 

دَفَنُوكَ وَحْدَكَ فِي الرِّمَالِ وَغَادَرُوا

فَخَرَجْتَ مِنْ تَحْتِ الرِّمَالِ كَتَائِبا

 

وَتَوَهَّمُوكَ عَلَى الْقَصِيدَةِ طَارِئًا

فَنَسَجْتَ مِنْ نَوْلِ الْخَيَالِ عَجَائِبا

 

فِي لَعِبَةِ الْأَرْقَامِ جَذْرُكَ ثَابِتٌ

حَتَّى وَإِنْ عَدُّوكَ رقماً سَالِبا

 

أَنْتَ ابْنُ طَقْسِكَ يَا رَبِيعُ فَلَا تَهِنْ

مَا ضَرَّ لَوْ نَعَتُوكَ صَيْفًا لَاهِبا

 

إِنِّي أُعِيذُكَ أَنْ تَكُونَ صدىً لهم

يَا أَيُّهَا الْوَلَدُ الْجُنُوبُ وَصَاحِبا

 

لَهُمُ الْمَقَاهِي الْمُشْرَعَاتُ عَلَى السَّدَى

وَلَكَ الْمَشَاحِيفُ الخفافُ نَجَائِبا

 

لوّح لتنهمر الغمامةُ يا ابن من

مَلَأَ الْفُرَاتَ ثيابهُنَّ طَحَالِبا

 

الوَاشِمَاتُ عَلَى الخُدودِ أَهِلَّةً

الطَّاوِيَاتُ عَلَى الرُّؤُوسِ عَصَائِبَا

 

الْبَادِئَاتُ صباحهُنَّ بِبَسْمَةٍ

وَعَلَى الْمَهُودِ إِذَا هَجَعْنَ نَوَادِبَا

 

فَتَلَ السَّمُومُ قِوَامَهُنَّ ورَصّعتْ

شَمْسُ النَّهَارِ جِبَاهَهُنَّ ثَوَاقِبَا

 

لَوِّحْ لِتَخْتَفيَ الْمَدِينَةُ وَاقْتَرِحْ

مَرْجًا عَلَيْهِ الْمَعْصِرَاتُ سَوَاكِبَا

 

وَارْسُمْ عَلَيْهِ مَعَ الْغُرُوبِ أَيَائِلَا

تَحْتَ الْعَرَائِشِ وَالْكُرُومِ لَوَاعِبَا

 

وَأَنَا وَأَنْتَ مُمَدَّدَانِ وَفِي السَّمَا

طَيْرًا مِنَ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ آيِبًا